فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ) بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا أَوْ مَاتَ غَيْرُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ، (لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ) إذَا دُعِيَا لَهُ قَالَ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] . (فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَقَالَ) لِلْمُدَّعِي (احْلِفْ مَعَهُ عَصَى) ؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعُ عَنْ الْيَمِينِ. (وَإِنْ كَانَ) فِي الْقَضِيَّةِ (شُهُودٌ) كَأَرْبَعَةٍ (فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَيْهِمْ (فَلَوْ طُلِبَ مِنْ اثْنَيْنِ) مِنْهُمْ (لَزِمَهُمْ فِي الْأَصَحِّ) وَإِلَّا لَأَفْضَى إلَى التَّوَاكُلِ، وَالثَّانِي قَاسَ عَلَى مَا إذَا دُعِيَا لِلتَّحَمُّلِ لَا تَلْزَمُهُمَا الْإِجَابَةُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْقَضِيَّةِ (إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ) الْأَدَاءُ، (إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِلَّا فَلَا) يَلْزَمُهُ (وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا) وَالْأَصَحُّ يَلْزَمُ الْآخَرَ.
(وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى) فَأَقَلَّ، وَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا لَيْلًا إلَى مَوْضِعِهِ (وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ فَإِنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِلْأَدَاءِ لِبُعْدِهَا. (وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ) كَشَارِبِ الْخَمْرِ (قِيلَ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) كَشَارِبٍ النَّبِيذِ. (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَالْأَصَحُّ فِي الثَّانِي وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَإِنْ عُهِدَ مِنْ الْقَاضِي رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ (وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَتَخْدِيرِ الْمَرْأَةِ، (فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مِنْ يَسْمَعُهَا) وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ وَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ. .
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فَتَلْزَمُهُ) أَيْ تَلْزَمُ مَنْ دُعِيَ الْإِجَابَةُ لِأَجْلِ عُذْرِ الْمُحَمَّلِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحُضُورِ عِنْدَ الْمُتَحَمِّلِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا وَلَا يَجُوزُ أَنَّ لِلْمَدْعُوِّ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَإِنْ كَانَ هُمْ غَيْرَهُ خَشْيَةَ التَّوَاكُلِ. نَعَمْ إنْ زَادَ عَلَى النِّصَابِ وَحَضَرَ قَدْرَ النِّصَابِ كَفَى عَنْ غَيْرِهِ، بَلْ لَوْ حَضَرَ نِصَابَ غَيْرِ الْمَدْعُوِّ كَفَى عَلَى الْوَجْهِ الْوَجِيهِ، وَلِلْمَدْعُوِّ حِينَئِذٍ طَلَبُ أُجْرَةٍ إنْ كَانَ كُلْفَةٌ وَأُجْرَةُ رُكُوبٍ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ، وَإِذَا دُعِيَ مِنْ مَسَافَةٍ فَوْقَ الْعَدْوَى، فَلَهُ طَلَبُ مَا شَاءَ وَإِنْ كَثُرَ وَلَهُ الِامْتِنَاعُ لِأَخْذِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَهَذَا التَّقْرِيرُ الَّذِي سَلَكْنَاهُ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَهُوَ وَاضِعٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّهُ نَشَأَ مِنْ اشْتِبَاهِ التَّحَمُّلِ الْمَذْكُورِ بِالْأَدَاءِ الْآتِي فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِذْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُتَحَمِّلَ بَعْدَ التَّحَمُّلِ سَوَاءٌ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ) أَيْ عَيْنًا فَوْرًا، وَكَذَا الْوَاحِدُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالنِّسَاءُ كَالرِّجَالِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِنَّ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِنَّ وَفِي طَلَبِ الْأُجْرَةِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عَصَى) وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِنَحْوِ حَيَاءٍ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَبِامْتِنَاعِهِ يَخْرُجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي طَلَبُ إحْضَارِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ إلَى وَقْتٍ آخَرَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَالًا. قَوْلُهُ: (فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ قَبْلَ الطَّلَبِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ زَادَ الْمَطْلُوبُ عَنْ النِّصَابِ حَالًا. قَوْلُهُ: (مِنْ اثْنَيْنِ) أَوْ مِنْ وَاحِدٍ قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ) وَهُوَ أَنَّهُمَا هُنَا يُؤَدِّيَانِ أَمَانَةً الْتَزَمَاهَا بِخِلَافِ التَّحَمُّلِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ. قَوْلُهُ: (بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا كُلُّ مَنْ يُمْكِنُ خَلَاصُ الْحَقِّ عَلَى يَدَيْهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ إلَخْ) هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ آخِرِهَا إذْ لَا أَقَلَّ لَهَا. قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ) وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ فِي الثَّانِي الْوُجُوبُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَتَحَمَّلَ شَهَادَةً عَلَى مَا يُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ، وَيُؤَدِّي عِنْدَ حَاكِمٍ يَرَاهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ) خَرَجَ بِهِ الْمُقَلِّدُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ، بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُخَالِفُ اعْتِقَادَ مُقَلَّدِهِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) مِنْ بَقِيَّةِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ طُلِبَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَوْ خِيفَ ضَيَاعُ الْحَقِّ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِطَلَبِ الشَّهَادَةِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِي صَلَاةٍ إلَخْ) ضُبِطَ ذَلِكَ بِمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.
فَرْعٌ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُكُوسِ لِأَجَلِ رَدِّ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا، وَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ قَاضٍ وَطَلَبَ الشَّهَادَةَ لِقَاضٍ آخَرَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ وَجَبَ حُضُورُهُ إلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَتْنِ: (عَصَى) مِثْلُهُ مَنْ يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَيَطْلُبُ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْيَمِينِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَلَّا قَالَ إنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُ الثُّبُوتِ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ وَأَجَابَ: الْأَصَحُّ بِأَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ الثَّوْبِ تُلْقِيهِ الرِّيحُ فِي دَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَتِهَا وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا كَرَاهَةُ الْمُشَمَّسِ وَلَوْ بِنَفْسِهِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِعْ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَالطَّلَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَطْعًا إذَا تَحَمَّلَ اتِّفَاقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ،.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْ يُدْعَى إلَخْ) لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ حِسْبَةً مِنْ نَسَبٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِيمَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فِيهَا كَغَيْرِهَا لِإِمْكَانِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُتَوَجَّهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَقَلُّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَقَلَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَفِيهِ نَظَرٌ.