رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، أَحَادِيثَ تَضْحِيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ، وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» وَالْحَاكِمُ حَدِيثَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ: قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِك فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَك مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِك» ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَوْلُهُمْ سُنَّةٌ أَرَادُوا سُنَّةَ كِفَايَةٍ، وَسُنَّةَ عَيْنٍ لِمَا سَيَأْتِي عَنْهُمْ

(وَلَا تَصِحُّ) الْأُضْحِيَّةُ مِنْ حَيْثُ التَّضْحِيَةِ بِهَا (إلَّا مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ) اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَشَرْطُ إبِلٍ أَنْ يَطْعَنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ فِي الثَّالِثَةِ وَضَأْنٍ فِي الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَخَصِيٌّ) ، وَالطَّاعِنُ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْجَذَعُ وَالْجَذَعَةُ، وَفِيمَا قَبْلَهُ الثَّنِيُّ وَالثَّنِيَّةُ.

رَوَى أَحْمَدُ حَدِيثَ «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ» ، وَلِابْنِ مَاجَهْ نَحْوُهُ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ فِي التَّضْحِيَةِ بِجَذَعَةِ الْمَعْزِ وَلَنْ تُجْزِئَ مِنْ أَحَدٍ بَعْدَك أَيْ وَإِنَّمَا تُجْزِئُ الثَّنِيَّةُ وَالثَّنِيُّ» وَيُقَاسُ بِالْمَعْزِ الْبَقَرُ وَالْإِبِلُ وَالْخَصِيُّ مَا قُطِعَ خُصْيَاهُ أَيْ جِلْدَتَا الْبَيْضَتَيْنِ مُثَنَّى خُصْيَةٍ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ وَالْخُصْيَتَانِ الْبَيْضَتَانِ وَجَبْرُ مَا قُطِعَ مِنْهُ زِيَادَةُ لَحْمِهِ طَيِّبًا وَكَثْرَةً، (وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا يُجْزِئُ (عَنْ سَبْعَةٍ وَالشَّاةُ) تُجْزِئُ (عَنْ وَاحِدٍ) ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَهْلُ بَيْتٍ حَصَلَتْ السُّنَّةُ لِجَمِيعِهِمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا سَيَأْتِي مِنْ حُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ، وَحُصُولِ نَحْوِ الْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ فَهُوَ كَالْفَاعِلِ أَوْ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْهُ فَقَطْ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِزَالَةُ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يُزِيلَ) فَتُكْرَهُ الْإِزَالَةُ إلَّا لِعُذْرٍ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: تَحْرُمُ الْإِزَالَةُ الْمَذْكُورَةُ. قَوْلُهُ: (شَعْرِهِ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ عَانَةٍ وَإِبْطٍ. قَوْلُهُ: (فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) وَلَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ يُرَاعَى وَحِكْمَةُ ذَلِكَ شُمُولُ الْمَغْفِرَةِ وَالْعِتْقِ مِنْ النَّارِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُضَحِّيَ) وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ لِمَنْ تَعَدَّدَتْ فِي حَقِّهِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ عَدَمِ الْإِزَالَةِ لِمَنْ لَا يُضَحِّي بِزَوَالِ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ. قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) لَوْ مُرَاهِقًا وَسَفِيهًا. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ أَيْ اسْتَنَابَهُ لِيَذْبَحَ عَنْهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى الِاسْتِنَابَةُ وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ وَنَحْوِ صَبِيٍّ وَأَعْمَى فَتَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُمْ وَالْمُرَادُ بِشُهُودِهِ حُضُورُهُ وَلَوْ أَعْمَى.

قَوْلُهُ: (تَضْحِيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ) فَقَدْ ضَحَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِائَةِ بَدَنَةٍ نَحَرَ بِيَدِهِ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَنَحَرَ تَمَامَ الْمِائَةِ وَفِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى مُدَّةِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَطْعُنَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَخُصَّتْ الْأَسْنَانُ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ تَحْدِيدِيَّةٌ لِعَدَمِ الْإِنْزَاءِ وَالْحَمْلِ فِيهَا الْمُؤَدَّيَيْنِ إلَى رَدَاءَةِ لَحْمِهَا أَوْ قِلَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيمَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطَّاعِنِ الَّذِي هُوَ مِنْ الضَّأْنِ الْمَعْلُومِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالثَّانِيَةِ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الْمَعْزُ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ. قَوْلُهُ: (وَالْخَصِيُّ) أَيْ يُجْزِئُ وَهُوَ لُغَةً وَشَرْعًا مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَتَقَدَّمَ لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ فِي الدِّيَاتِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْمُثَنَّى مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ اسْمٌ لِلْبَيْضَتَيْنِ وَمَعَ عَدَمِهَا اسْمٌ لِلْجِلْدَتَيْنِ، وَإِنْ لَزِمَهُ سُقُوطُ الْبَيْضَتَيْنِ وَنَدُورُهُ عَدَمُ التَّاءِ فِي مُثَنَّاهُ. قَوْلُهُ: (عَنْ سَبْعَةٍ) أَيْ هُنَا وَكَذَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَالتَّمَتُّعِ فِي الْحَجِّ وَارْتِكَابٍ مَحْظُورَاتٍ فِيهِ وَكَذَا كُلُّ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ لَا.

نَعَمْ الْمُتَوَلِّدَةُ بَيْنَ غَنَمٍ وَمَعْزٍ أَوْ إبِلٍ وَبَقَرٍ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي. وَيُعْتَبَرُ فِي السَّبْعَةِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ مُسْتَقِلًّا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ لَا وَيَظْهَرُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِجُزْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ نِيئًا، وَخَرَجَ بِالسَّبْعَةِ مَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَاشْتَرَكُوا فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَدَنَتَيْنِ فَلَا تَقَعُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِعَدَدِهِمْ أَوْ بِالْحُكْمِ أَوْ ضَمَّ لَهَا شَاةً، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ وَلَا يَضُرُّ شَرِكَةُ غَيْرِ مُضَحٍّ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ فِي الشَّاةِ أَوْ فِي الْبَدَنَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الذَّبْحِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَنْذُورَةٍ مِنْهُ ذُبِحَتْ قَهْرًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَذْبَحَهَا إنْ خِيفَ خُرُوجُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةَ، نَظَرًا لِلْوُصُولِ لِحَقِّهِ وَإِنْ فَاتَ كَوْنُهَا أُضْحِيَّةً عَلَى الْمُمْتَنِعِ لِتَقْصِيرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرَاجِعُ الْحَاكِمَ لِيَنْوِيَ عَنْ الْمُمْتَنِعِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَرَاجِعْ. ذَلِكَ وَلِلشُّرَكَاءِ قِسْمَةُ اللَّحْمِ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ لَا بَيْعٌ مَا دَامَ نِيئًا وَإِلَّا فَهُوَ مُتَقَوِّمٌ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَاجِبَةٌ فَذَبَحَ بَدَنَةً وَقَعَ سُبْعُهَا عَنْ الْوَاجِبِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ شَاةٍ فِي الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ فِيهَا بِكَوْنِهَا فِي الزَّكَاةِ أَصْلًا أَوْ بَدَلًا بِخِلَافِهِ هُنَا.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ وَأَمَّا كَرَاهَةُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ كَالْمُحْرِمِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ طَلَبَ التَّرْكِ يَزُولُ بِأَوَّلِ شَاةٍ يَذْبَحُهَا وَلَوْ كَانَ يُرِيدُ التَّعَدُّدَ، قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ) «نَحَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ مِنْ الْهَدْيِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا بِنَحْرِ مَا غَبَّرَ مِنْ الْمِائَةِ» أَقُولُ: فِيهِ إشَارَةٌ خَفِيَّةٌ إلَى عَدَدِ أَعْوَامِ حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَدَيْتُهُ بِنَفْسِي وَأَبِي وَأُمِّي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ إبِلٍ إلَخْ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذِهِ الْأَسْنَانُ تُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْنَانَ لَا تَحْمِلُ أُنْثَاهَا وَلَا يَنْزُو ذَكَرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَخَصِيٌّ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» أَيْ مَخْصِيَّيْنِ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ الْخُصْيَتَيْنِ غَيْرُ مَأْكُولَتَيْنِ عَادَةً بَلْ قِيلَ: بِحُرْمَتِهِمَا وَكَذَا الذَّكَرُ وَالْفَرْجُ لِلِاسْتِقْذَارِ، قَوْلُهُ: (وَفِيمَا قَبْلَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَالطَّاعِن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015