كِتَابُ الْجِزْيَةِ هِيَ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ الْكُفَّارُ بِعَقْدٍ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي (صُورَةُ عَقْدِهَا) الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمُوجِبِ (أُقِرُّكُمْ) وَسَيَأْتِي وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَقْرَرْتُكُمْ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تُعْطُوا (جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَحْكَامٌ وَمِنْهَا الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالْغَرَامَاتِ كَمَا ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَالزِّنَى دُونَ الشُّرْبِ لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ كَمَا ذُكِرَتْ فِي أَبْوَابِهَا
(وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ كَالْأُجْرَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَيُنَزَّلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ (لَا كَفِّ اللِّسَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِانْقِيَادِ غَنِيَّةً عَنْهُ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِيُؤْمَنَ دَعْوَى عَدَمِ إرَادَتِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُمْ جَازَ لِأَنَّ لَهُمْ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا بِخِلَافِنَا وَسَيَأْتِي إقْرَارُهُمْ بِالْجِزْيَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ (وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ) مِنْهُمْ لِمَا أَوْجَبَ
(وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يُطَالَبُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِهَا غَالِبًا (وَيَشْتَرِطُ لِعَقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) فِي عَقْدِهَا (وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا إلَّا جَاسُوسًا نَخَافُهُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSكِتَابُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ إقَامَتِهِمْ بِدَارِنَا وَكَفِّ أَذَانَا عَنْهُمْ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَقَامِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ: مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ، وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ مَغْيًا بِهَا وَالْمَعْنَى فِي أَخْذِهَا أَنَّهُ مَعُونَةٌ لَنَا، وَإِهَانَةٌ لَهُمْ وَرُبَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَغَايَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا إلَى نُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوَالِ شُبْهَتِهِمْ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَهَذَا مِنْ شَرْعِنَا لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ مُتَلَقِّيًا لَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبِالِاجْتِهَادِ الْمُسْتَمَدِّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ لَا يُخْطِئُ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمَذَاهِبِ عِنْدَهُ اعْتِبَارٌ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (هِيَ مَالٌ إلَخْ) أَيْ تُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَكَذَا عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَيْهِمَا مَعًا، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ لِمُنَاسَبَةِ مَا يَأْتِي فَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ وَمَكَانٌ. قَوْلُهُ: (صُورَةُ عَقْدِهَا الْأَصْلِيِّ) فَلَا يَرُدُّ صِحَّتَهَا مَعَ إقَامَتِهِمْ بِدَارِ الْكُفْرِ وَسَيَذْكُرُهُ وَلَا ابْتِدَاءِ الْكُفَّارِ بِعَقْدِهَا، وَلَا عَقْدِهَا لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْتِزَامِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُوجِبِ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ فَقَطْ لَا الْآحَادُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَخْ) فَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ أَوْلَى لِإِفَادَتِهَا الصِّحَّةَ مَعَ الْمُضَارِعِ الَّذِي لَا يَصِحُّ مَعَهُ غَيْرُهَا مِنْ الْعُقُودِ. قَوْلُهُ: (بِدَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ غَيْرِ الْحِجَازِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيُسَاوِي مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ) فَالْعَقْدُ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إلَخْ) هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ التَّأْقِيتِ الْمُبْطِلِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِنَا) أَيْ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ مِنْ جِهَتِنَا، بِأَنْ يَقُولَ: أَقْرَرْتُكُمْ مَا شِئْت أَنَا أَوْ مَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ أَوْ مَا شِئْنَا، وَكَذَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ) أَيْ بِشُرُوطِهِ فِي الْبَيْعِ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيجَابِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ الْكَافِرَ أَقَلُّهَا لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِنَا، وَخَرَجَ الْإِشَارَةُ وَالْكِتَابَةُ بِمَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ الْكَافِرَ أَقَلُّهَا لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِنَا، وَخَرَجَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ مَا إذَا بَطَلَ بِأَنْ عَقَدَ الْآحَادَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ) أَيْ قَبْلَ أَسْرِهِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ) وَيُنْدَبُ إنْ اُتُّهِمَ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عَقْدِهَا لَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَائِبُهُ فِي عَقْدِهَا) وَلَوْ عُمُومًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ بِالْجَاسُوسِ مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْجِزْيَةِ]
ِ قَوْلُهُ: (الْأَصْلِيُّ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ: (دُونَ الشُّرْبِ) أَيْ وَدُونَ الْعِبَادَاتِ وَنِكَاحُ الْمَحْرَمِ مِنْ الْمَحَارِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
قَوْله: (لَا كَفِّ اللِّسَانِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ قِتَالِنَا، وَنَحْوُهُ مِمَّا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُ جَزْمًا،
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ مُؤَقَّتًا) أَيْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَحْقِنُ الدُّنْيَا ` مَ كَالْإِسْلَامِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ الْإِسْلَامُ مُؤَقَّتًا كَذَلِكَ هَذَا ثُمَّ إذَا عُقِدَ مُؤَقَّتًا بَلَغُوا الْمَأْمَنَ وَمَهْمَا نَكَثُوا بِدَارِنَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ ضَرَرِ التَّأْقِيتِ كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْ مَحِلِّ الْخِلَافِ مَا شِئْنَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ جَزْمًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمِقْدَارِ الْأَجَلِ نَعَمْ هَذَا الَّذِي اُغْتُفِرَ هُنَا مِنْ التَّعْلِيقِ بِمَشِيئَتِهِمْ لَمْ يَغْتَفِرُوا مِثْلَهُ فِي الْهُدْنَةِ، قَوْلُهُ: (لَفْظُ قَبُولٍ) مِثْلُهُ الْإِشَارَةُ فِي الْأَخْرَسِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ بِالْكِتَابَةِ بِالْفَوْقَانِيَّةِ كَالْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يُطَالِبُ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الْحَرْبِيِّ لَا يَدْخُلُ دَارَنَا إلَّا بِأَمَانٍ، قَوْلُهُ: (فِي عَقْدِهَا) خَرَجَ نَائِبُهُ الْعَامُّ فَلَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَتَعْلِيقُهَا بِالْمَحْصُورِينَ وَغَيْرِهِمْ، قَوْلُهُ: (جَاسُوسًا) هُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ الْخَيْرِ، قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ إلَخْ) يُرِيدُ