كَمَا هُوَ شَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّهُ عَلَى الْجَمِيعِ

(وَمِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ (وَحَلُّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ) وَدَفْعُ الشُّبَهِ (وَ) الْقِيَامُ، (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ) بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (وَالْفُرُوعِ) الْفَقِيهُ (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا وَعَرَّفَ الْفُرُوعَ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُحَرَّرِ الْفَتْوَى.

(وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) أَيْ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ، (وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَالِاعْتِمَارِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَدَلُ الزِّيَارَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (وَدَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ، كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً) وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَيَقَعُ الزَّائِدُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَكَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيَجُوزُ تَرْكُ الْمَرَّةِ لِعُذْرٍ كَضَعْفٍ بِنَا أَوْ رَجَاءَ إسْلَامِهِمْ. قَوْلُهُ: (إذَا فَعَلَهُ إلَخْ) وَيُغْنِي عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُشْحِنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ، أَيْ الثُّغُورِ وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ ذَلِكَ أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفَّارِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ فَأَحَدُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ عَنْ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ) وَلَوْ مِنْ صِبْيَانٍ وَأَرِقَّاءٍ وَنِسَاءٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ نِكَايَةً لِلْكُفَّارِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِي إحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فِي الْحَجِّ وَرَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (سَقَطَ الْحَرَجُ) أَيْ الْإِثْمُ عَنْ الْبَاقِينَ، فَيَأْثَمُ الْجَمِيعُ بِتَرْكِهِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ) وَهِيَ الْبَرَاهِينُ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَعَلَى إثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَعَلَى إثْبَاتِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ الْمَعَادِ وَالْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَحَلُّ الْمُشْكِلَاتِ) أَيْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ الْمُدْرِكُ لِقُوَّتِهِ. قَوْلُهُ: (وَدَفْعُ الشُّبَهِ) وَهِيَ أُمُورٌ بَاطِلَةٌ تَشْتَبِهُ بِالْحَقِّ. قَوْلُهُ: (بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا) أَيْ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالْعَرَبِيَّةُ تَنْقَسِمُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا: اللُّغَةُ وَالصَّرْفُ وَالِاشْتِقَاقُ وَالنَّحْوُ وَالْمَعَانِي، وَالْبَيَانُ وَالْعَرُوضُ وَالْقَافِيَةُ وَالْخَطُّ وَقَرْضُ الشِّعْرِ، وَإِنْشَاءُ الرَّسَائِلِ، وَالْخُطَبُ وَالْمُحَاضَرَاتُ، وَمِنْهُ التَّوَارِيخُ وَأَمَّا الْبَدِيعُ فَهُوَ ذَيْلُ الْبَلَاغَةِ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ) بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّرْجِيحِ دُونَ الِاسْتِنْبَاطِ فَهُوَ مُجْتَهِدُ الْفَتْوَى، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَضَوَابِطِهِ، فَهُوَ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ أَوْ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَهَذَا قَدْ انْقَطَعَ مِنْ نَحْوِ الثَّلَاثِمِائَةِ لِغَلَبَةِ الْبَلَادَةِ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ حُرِّيَّةٌ، وَلَا ذُكُورَةٌ وَلَا عَدَالَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ، وَيَجِبُ تَعَدُّدُ الْمُفْتِي بِحَيْثُ يَكُونُ فِي كُلِّ مَسَافَةِ قَصْرٍ وَاحِدٌ، وَتَعَدُّدُ الْقَاضِي بِحَيْثُ يَكُونُ فِي كُلِّ مَسَافَةِ عَدْوَى وَاحِدٌ. قَوْلُهُ: (لَمَّا ذَكَرَهُ بَعْدُ) وَهُوَ بِحَيْثُ إلَخْ وَهِيَ عَطْفٌ عَلَى تَفْسِيرٍ وَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى عُلُومٍ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ لِمَا لَا يَخْفَى. قَوْلُهُ: (وَأَسْقَطَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ الْفَتْوَى، وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْقَضَاءِ عَنْهَا.

فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَالْجِهَادِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ إلَخْ) وَلَا يُنْكَرُ إلَّا عَلَى فَاعِلٍ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ، وَلَا عُذْرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْمُنْكِرُ التَّحْرِيمَ، وَيَعْمَلُ الْحَاكِمُ بِعَقِيدَتِهِ فَيُعَزِّرُ شَافِعِيٌّ حَنَفِيًّا رُفِعَ إلَيْهِ فِي شُرْبِ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ وَشَرْطُ وُجُوبِ الْأَمْرِ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ، وَلَوْ فِي الْعِرْضِ وَعَدَمِ جَرَاءَةِ الْفَاعِلِ، وَارْتِكَابُهُ أَقْوَى مِمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلِلْمُحْتَسِبِ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِ الْمَكْرُوهِ، وَتَارِكُ الْمَنْدُوبِ مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ) أَيْ بِجَمْعٍ يَحْصُلُ بِهِمْ الشِّعَارُ مِمَّنْ هُمْ أَهْلٌ لِلْفَرْضِ لَا غَيْرُهُمْ، وَاكْتَفَى الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيِّ بِوَاحِدٍ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَائِدَةٌ: عَدَدُ الْحُجَّاجِ فِي كُلِّ عَامٍ سِتُّونَ أَلْفًا فَإِنْ نَقَصُوا كُمِّلُوا مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُؤْتَى بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الزِّيَارَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَكْفِي نَحْوُ صَلَاةٍ وَاعْتِكَافٍ وَلَا حَجٍّ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَارٍ أَوْ عَكْسُهُ. قَوْلُهُ: (وَدَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ الْمَعْصُومِينَ وَكَذَا كَافِرٌ مَعْصُومٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالَ الثَّانِي، كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا

قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) اُحْتُرِزَ عَنْ الْقَدْرِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، قَوْلُهُ: (وَالْإِفْتَاءِ) يُرِيدُ أَنَّ الْقَاضِي يَرْجِعُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ وَالْمُفْتِي يُرَادُ لِغَرَضٍ آخَرَ، فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِأَحَدِهِمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاَلَّذِي فَهِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي إحْيَاءِ تِلْكَ الْعُلُومِ الَّتِي يَسْتَمِدُّ مِنْهَا الْمُفْتِي.

قَوْلُهُ: (وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُحَرَّرِ) فَاعِلُهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَوْلُهُ: (وَأَسْقَطَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَرَّفَ، قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّ دَفْعَ الصَّائِلِ عَنْ غَيْرِ النَّفْسِ وَالْبُضْعِ جَائِزٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ تَعَرَّضْنَا لِلْجَوَابِ فِي الْوَرَقَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ ظُهُورَ الشِّعَارِ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015