فَصْلٌ (لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (وَمُكْرَهٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ الدَّافِعَةِ لِلْحَدِّ وَقَطْعُ السَّكْرَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ (وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِالْتِزَامِ الذِّمِّيِّ الْأَحْكَامَ كَالْمُسْلِمِ (وَفِي مُعَاهَدٍ أَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا إنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا) يُقْطَعُ وَالْأَوَّلُ يُقْطَعُ مُطْلَقًا وَالثَّانِي عَكْسُهُ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا قَطْعَ) مُطْلَقًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِيهِ وَالتَّفْصِيلُ حَسَنٌ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَحْسَنُهَا.
(وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ فِي الْأَصَحِّ) فَيُقْطَعُ بِهَا لِأَنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ أَوْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْطَعُ بِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ بِهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَفِيهِمَا فِي الدَّعَاوَى الْجَزْمُ بِالثَّانِي (وَبِإِقْرَارِ السَّارِقِ) وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرِيرُهُ (وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ) كَالزِّنَى وَفِي قَوْلٍ لَا كَالْمَالِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِقَبُولِ رُجُوعِهِ فَلَا يُقْطَعُ وَفِي الْغُرْمِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ وَفِي طَرِيقٍ ثَالِثٍ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْغُرْمِ أَيْضًا (وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمُوجِبِهَا بِكَسْرِ الْجِيمِ كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَى ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ دَعْوَى (فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ) عَنْ الْإِقْرَارِ (وَلَا يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ وَالثَّالِثُ يُعَرِّضُ لَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَاعِزٍ الْمُقِرِّ بِالزِّنَى لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ مَا إخَالُكَ سَرَقْت رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَنْ يُقْطَعُ بِهَا وَمَا يُقْطَعُ بِهِ وَغَيْرِهَا وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ شَرْطَ الْمَقْطُوعِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا مُلْتَزِمًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَلَوْ حُكْمًا لَا شُبْهَةَ لَهُ وَلَيْسَ أَصْلًا وَلَا مَأْذُونًا لَهُ وَيُعَزَّرَانِ، قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا) وَيُعَزَّرُ مَنْ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ مِنْهُمَا، قَوْلُهُ: (وَمُكْرَهٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَيُعَزَّرُ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا أَمَرَ مَنْ يَعْتَقِدُ الطَّاعَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي، قَوْلُهُ: (عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ) الْمُعْتَمَدُ مِنْهُ وُجُوبُ قَطْعِهِ قَوْلُهُ: (كُلٌّ مِنْهُمَا) عَائِدٌ إلَى كُلٍّ مِنْ السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْهُ دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ الِاجْتِمَاعِ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِأَوْفَيْهِمَا، قَوْلُهُ: (وَفِي مُعَاهَدٍ) وَمُؤَمَّنٍ قَوْلُهُ: (لَا قَطْعَ) أَيْ عَلَى الْمُعَاهَدِ أَوْ عَلَى الْمُؤَمَّنِ بِسَرِقَتِهِ، وَلَوْ لِمَالِ مِثْلِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ بِسَرِقَتِهِ مَالَهُ وَلَوْ مُسْلِمًا، قَوْلُهُ: (قَالَ فِيهِ) أَيْ الشَّرْحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مُخَالَفَةِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ لَهُ، وَالْمِنْهَاجُ كَالْمُحَرَّرِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَقْوَى.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِ الْقَطْعَ أَوْ لَا نَعَمْ يُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ وَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ.
قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ) أَيْ الْمُرَتِّبُ عَلَيْهَا الْقَطْعُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَسُكُوتُهُ عَنْهُ هَذَا لِعَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْبَعْضِ كَمَا يَأْتِي، قَوْلُهُ: (فَيُقْطَعُ بِهَا) أَيْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ بِهَا) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ مُطْلَقًا، قَوْلُهُ: (وَبِإِقْرَارِ السَّارِقِ) أَيْ تَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْقَطْعِ وَمِنْ وُقُوعِ الْإِقْرَارِ بَعْدَ دَعْوَى لِتَوَقُّفِهِ عَلَى طَلَبِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ الْآتِيَةِ، قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعِ وَيَجِبُ الْمَالُ قَطْعًا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الثَّالِثِ، لِأَنَّهَا قَاطِعَةٌ بِقَبُولِ الرُّجُوعِ وَيَغْرَمُ الْمَالَ أَخْذًا مِنْ تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَكْسُ الْأُولَى فَقَوْلُهُ وَفِي الْغُرْمِ قَوْلَانِ أَيْ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (كَالزِّنَى) يُفِيدُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَقِيَ مَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَطْعُهُ وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُهُ إلَى الْإِفْرَازِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَحَكَمَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ فِي الزِّنَى فَرَاجِعْهُ، قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ إلَخْ) خَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ وَبِالْعُقُوبَةِ الْمَالُ وَبِاَللَّهِ الْآدَمِيُّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، قَوْلُهُ: (إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ) جَوَازًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَنَدْبًا قَبْلَهُ لِيَمْتَنِعَ مِنْهُ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ فَوَاتِ الْمَالِ بِعَدَمِ إقْرَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَرَاجِعْهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ إقْرَارِ الْمَالِ كَمَا يَأْتِي، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ أَوْ يَرْجِعُوا عَنْهَا، وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ مَا يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْإِنْكَارِ، وَكَذَا فِي قَيْدِ الْإِنْكَارِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ إنْ خِيفَ إنْكَارُ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ التَّعْرِيضُ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يُعَرِّضُ) قَالَ شَيْخُنَا فَيَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ التَّصْرِيحُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْجُهِ، قَوْلُهُ: (مَا إخَالُكَ سَرَقْت) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبَنُو أَسَد
فَصْلٌ لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ قَوْلُهُ: (وَمُكْرَهٌ) كَمَا فِي الزِّنَى قَوْلُهُ: (إنْ شَرَطَ قَطَعَهُ) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِشَرْطِ عَدَمِ السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَطْعِ، قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ قَالَ الْإِمَامُ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ لَا يُقْطَعَ الْمُعَاهَدُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُعَاهَدِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لِلَّهِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ زَنَى بِأَمَتِهِ مُكْرَهَةً وَحَلَفَ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، قَوْلُهُ: (الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْغُرْمِ أَيْضًا) يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ مُرَادُ الْمَتْنِ وَأَنَّ الْإِمَامَ نَسَبَهَا لِلْمُحَقِّقِينَ لَكِنَّهُ نَبَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الرَّافِعِيِّ، طَرِيقُ الْخِلَافِ وَقَدْ رَاجَعْت الرَّافِعِيَّ فَوَجَدْت الْأَمْرَ كَذَلِكَ، قَوْلُهُ: (فَالصَّحِيحُ إلَخْ) أَمَّا التَّعْرِيضُ بِالْإِنْكَارِ قَبْلَ الِاعْتِرَافِ فَهُوَ جَائِزٌ بَلْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي