(فَصْلٌ) إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (طَاهِرٍ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ، وَبِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَبِخِلَافِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا. (وَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ) إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ (إلَّا الْمُرْتَدِّ) بِالْجَرِّ فَإِنَّهُ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ حَتَّى زَمَنِ الْجُنُونِ فِيهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهَا. وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ فِيهَا عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. (وَلَا) قَضَاءَ عَلَى (الصَّبِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ فِي شُرُوطِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ) وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا. قَوْلُهُ: (إنَّمَا تَجِبُ) أَيْ يُطْلَبُ فِعْلُهَا وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (كُلِّ مُسْلِمٍ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ اشْتَبَهَ صَبِيَّانِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ، وَبَلَغَا مَعَ بَقَاءِ الِاشْتِبَاهِ لَمْ يُطَالَبْ أَحَدُهُمَا بِهَا، وَيُقَالُ عَلَى هَذَا لَنَا شَخْصٌ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ، لَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ إسْلَامٌ كَصِغَارِ الْمَمَالِيكِ الَّذِينَ يَصِفُونَ الْإِسْلَامَ بِدَارِنَا، لَا يُؤْمَرُ بِهَا لِاحْتِمَالِ كُفْرِهِ وَلَا بِتَرْكِهَا لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهِ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ الْوَجْهُ أَمْرُهُ بِهَا، قَبْلَ بُلُوغِهِ وَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (بَالِغٍ عَاقِلٍ) أَيْ سَالِمِ الْحَوَاسِّ وَبَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا مَنْ خُلِقَ أَعْمَى وَأَصَمَّ وَأَبْكَمَ، وَلَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ الْقَضَاءُ إذَا صَحَّتْ حَوَاسُّهُ بِخِلَافِ الثَّانِي، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَوْرًا كَمَا مَرَّ إذَا بَلَغَتْهُ لِنِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ فِيمَا حَقُّهُ أَنْ يَعْلَمَ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ لِيَخْرُجَ النَّائِمُ وَالسَّاهِي وَالْجَاهِلُ بِوُجُوبِهَا، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ وُجُوبِ انْعِقَادِ سَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ) أَيْ مَعَ تَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْإِسْلَامِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (وُجُوبُ عِقَابٍ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَافِرَ وَلَوْ حَرْبِيًّا مُطَالَبٌ مِنْ الشَّارِعِ بِجَمِيعِ الشَّرْعِيَّاتِ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ، وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ، وَقِيلَ: إنَّ خِطَابَ الْحَرْبِيِّ إذًا لِعَدَمِ ذِمَّتِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ) وَإِنْ تَسَبَّبَتْ فِي الْحَيْضِ بِدَوَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَتُثَابُ عَلَى التَّرْكِ امْتِثَالًا. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى كَافِرٍ) .
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَيْ مَطْلُوبٌ فَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْعَقِدْ وَقَالَ الْخَطِيبُ يُنْدَبُ لَهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي قَضَائِهِ، مَا يَأْتِي فِي قَضَاءِ الصَّبِيِّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) إذْ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ تَنْفِيرٌ لَهُ عَنْهُ وَمَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ فِي الْكُفْرِ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُرْتَدِّ) بِالْجَرِّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ أَيْ فَهُوَ أَوْلَى وَخَرَجَ بِالْمُرْتَدِّ الْمُنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَالزِّيَادِيِّ وَفِي قَضَائِهِ مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى زَمَنِ الْجُنُونِ فِيهَا) أَيْ فِي الرِّدَّةِ إنْ اسْتَمَرَّتْ فَلَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَلَا قَضَاءَ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِيهَا) وَلَوْ مَعَ الْجُنُونِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَحَمَلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ مَا فِيهِ عَلَى جُنُونٍ، سَبَقَ الْحَيْضَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَيُرَادُ فِيهِ بِذِي الْحَيْضِ مَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ السَّهْوِ إلَى التَّكْرَارِ وَهُوَ أَسْهَلُ. قَوْلُهُ: (رُخْصَةٌ) أَيْ لُغَةً وَهِيَ السُّهُولَةُ وَالْخِفَّةُ لَا اصْطِلَاحًا لِأَنَّهَا الْمُعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ. قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الصَّبِيِّ) أَيْ وَاجِبٌ فَيُنْدَبُ لَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ فِي زَمَنِ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ، وَحُكْمُ قَضَائِهِ كَأَدَائِهِ مِنْ تَعَيُّنِ الْقِيَامِ فِيهِ، وَعَدَمِ جَمْعِهِ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ
فَصْلٌ قَوْلُهُ: (إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ يَرُدُّ عَلَى مَفْهُومِهَا سُؤَالٌ تَقْدِيرُهُ أَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ إنْ أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُطَالَبَةِ وَالْعِقَابِ مَعًا وَرَدِّ الْكَافِرِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ الْآخَرِ مَعَ وُرُودِ الْكَافِرِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الثَّانِي ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذَا أَسْلَمَ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) وَيُثَابُ عَلَى الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا الْمُرْتَدَّ) (فَرْعٌ) لَوْ انْتَقَلَ النَّصْرَانِيُّ إلَى التَّهَوُّدِ مَثَلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي مُدَّةِ التَّهَوُّدِ أَيْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (تَغْلِيظًا عَلَيْهِ) أَيْ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الصَّلَاةَ بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
(فَرْعٌ) لَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُ فِي حَالِ جُنُونِ الْوَلَدِ زَمَنَ الرِّدَّةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مِنْ الْآنَ لِأَنَّهُ جُنُونٌ فِي زَمَنِ الْإِسْلَامِ الْمَحْكُومِ بِهِ تَبَعًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى) ظَاهِرُهُ إطْلَاقُ الصَّبِيِّ عَلَى الْأُنْثَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ اللُّغَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: