يَكُنْ كَمَا ذَكَرَ.
(فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ) لِأَنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يُكَلِّفَ بَعْضَهُ الْكَسْبَ مَعَ اتِّسَاعِ مَالِهِ، وَالثَّانِي لَا تَجِبُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ، (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ (لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ) لِعِظَمِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ (قُلْت الثَّالِثُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَإِيرَادُ الرَّافِعِيِّ فِي شَرْحَيْهِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ (وَهِيَ الْكِفَايَةُ وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ) ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ (إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ) بِالْفَاءِ (أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ) بِالْقَافِ (لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَصَيْرُورَتُهَا دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّذْكِرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَصْلِهِ، وَخَادِمُ أَصْلِهِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا مَرَّ وَغَيْرُ النَّفَقَةِ مِنْ الْمُؤَنِ مِثْلُهَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْمُؤَنِ الْحَالَّةِ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (مُكْتَسِبِهَا) أَيْ قَادِرٍ عَلَى كَسْبِهَا إلَّا مَنْ اكْتَسَبَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مَا قَبْلَهُ، وَالْكَلَامُ فِي كَسْبٍ حَلَالٍ لَائِقٍ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.
تَنْبِيهٌ: قُدْرَةُ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ عَلَى التَّزْوِيجِ لَا تُسْقِطُ الْمُؤْنَةَ إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ وَمَكَّنَتْ لِوُجُوبِ مُؤْنَتِهَا حِينَئِذٍ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ مُعْسِرًا.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ مُكْتَسِبٍ) أَيْ بِالْفِعْلِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ. قَوْلُهُ: (زَمِنًا) أَيْ بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَسْبِ فَصَحَّ عَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْكَسْبِ فَعَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ خَاصٌّ، وَالْإِلْحَاقُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، قَوْلُهُ: (الْمَرِيضَ وَالْأَعْمَى) وَكَذَا الْمُتَصَرِّفَ فِي مَالِ وَلَدِهِ وَالْمُشْتَغِلَ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لَا فَرْعٍ) بَلْ يُكَلَّفُ الْفَرْعُ الْكَسْبَ لِأَجْلِ أَصْلِهِ وَلَوْ بِأَمْرِ وَلِيِّهِ، قَوْلُهُ: (الْكِفَايَةُ) بِأَنْ يُطْعِمَهُ وَلَوْ بِأَكْلِهِ مَعَهُ، أَوْ بِوَكِيلِهِ مَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى التَّرَدُّدِ عَادَةً لَا نِهَايَةَ الشِّبَعِ وَلَوْ دَفَعَهَا لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِغَيْرِ الْأَكْلِ، فَإِنْ أَيْسَرَ قَبْلَ أَكْلِهَا لَمْ تُرَدَّ، وَلَوْ دَفَعَهَا لِلْفَرْعِ ثُمَّ تَلِفَتْ وَلَوْ بِإِتْلَافِهِ لَزِمَ الدَّافِعَ بَدَلُهَا لِسَفِيهٍ، وَنَحْوِهِ لَا لِرَشِيدٍ وَيَضْمَنُ الْفَرْعُ مَا دُفِعَ لَهُ إنْ كَانَ رَشِيدًا أَيْضًا، وَمَا ذَكَرَ فِي نَفَقَةِ الْبَعْضِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْحَمْلِ فَمِثْلُ أُمِّهِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْأَبِ فَمُقَدَّرَةٌ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِ كَمَا مَرَّ. وَكَذَا نَفَقَةُ خَادِمِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَادِمُ الْبَعْضِ مِثْلَهُ مُقَدَّرًا بِالْكِفَايَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ النَّفَقَةِ فَبِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِيرُ) أَيْ النَّفَقَةُ وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْمُؤَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ دَيْنًا، وَإِنْ تَعَدَّى بِمَنْعِهَا نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ وَالْمَنْفِيِّ إذَا اسْتَلْحَقَهُ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ تَصِيرُ دَيْنًا وَتَرْجِعُ بِهَا الْأُمُّ إنْ كَانَتْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ أَشْهَدَتْ عِنْدَ فَقْدِهِ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (بِفَرْضِ قَاضٍ) بِالْفَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي فَرَضْت لَهُ فِي مَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْتَرِضُ مِنْ شَخْصٍ مَالًا ثُمَّ يَأْذَنُ لِذَلِكَ الشَّخْصَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ لِلْأَبِ مَثَلًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، وَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ وَجَعَلَهُ بِالْقَافِ لَوَافَقَ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي هُوَ الْمَنْقُولُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَحْثٌ لِلْغَزَالِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ إذْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْذَنُ لِلْأَبِ مَثَلًا أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْ شَخْصٍ مَالًا، وَيَأْذَنَ لَهُ بَعْدَ الْقَرْضِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْقَرْضِ أَيْضًا قَبْلَ الْإِذْنِ وَإِلَّا فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا هَكَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مُوَافَقَتُهُ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَاعْتَرَضَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِمَا، عَلَى النَّوَوِيِّ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْفَاءِ. نَعَمْ سَيَأْتِي أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْإِنْفَاقِ تَصِيرُ بِهِ دَيْنًا وَهَذِهِ غَيْرُ مَا هُنَا فَتَأَمَّلْ.
فَرْعٌ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ قَدْرَ نَفَقَةِ كُلِّ يَوْمٍ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الِامْتِنَاعِ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَلْزُومُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَلَى طَرِيقِ الرَّافِعِيِّ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْأُصُولِ عَلَى طَرِيقِ النَّوَوِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ إلَخْ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ تَعْلِيلِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَيَمْتَنِعُ رُجُوعُهُ إلَى مَا قَبْلَهُ وَبِاخْتِيَارِ الثَّانِي وَيُرِيدُ بِالْمُكْتَسِبِ مَنْ هُوَ شَأْنُهُ وَعَادَتُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا يَأْتِي لَكِنَّ هَذَا الثَّانِيَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَالِدَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ نَفَقَتُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، قَوْلُهُ: (أَوْ صَغِيرًا) لَوْ بَلَغَ مَبْلَغًا يَحْسُنُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ كَأَوْلَادِ الْمُحْتَرِفَةِ فَحُكْمُهُ كَالْكَبِيرِ. نَعَمْ لَوْ هَرَبَ وَتَرَكَ الْحِرْفَةَ لَزِمَ الْوَلِيَّ النَّفَقَةُ قَوْلُهُ: (أَحْسَنُهَا تَجِبُ) .
تَنْبِيهٌ: قُدْرَةُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ عَلَى النِّكَاحِ لَيْسَتْ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ أَمَدُهُ طَوِيلٌ فَلَوْ تَزَوَّجَتَا سَقَطَتْ الْوُجُوبُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا. أَقُولُ فَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَقَدْ سَلَف أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرْسَالِ لَهُ لِيَحْضُرَ فَتَجِبَ مِنْ وَقْتِ حُضُورِهِ، وَالْمُتَّجِهُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمُدَّةُ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَقْوَى عَلَى هَذَا تَعْلِيلُ مَا سَلَفَ بِقَوْلِهِمْ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ مُنْفِقَيْنِ، وَكَمَا فِي الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ إذَا أَعْسَرَ زَوْجُهَا، قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْكِفَايَةُ) أَيْ لِقِصَّةِ هِنْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَعَ خُلُوِّهَا عَنْ شَائِبَةِ الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ لِلتَّصَرُّفِ، وَالتَّرَدُّدِ لَا الشِّبَعِ وَلَا دَفْعِ أَلَمِ الْجُوعِ وَدَخَلَ فِيهَا الْقُوتُ وَالْأُدْمُ وَخَالَفَ الْبَغَوِيّ فِي الْأُدْمِ وَيَجِبُ أَيْضًا الْخَادِمُ وَنَفَقَتُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَكَذَا الْأَدْوِيَةُ وَالْمَسْكَنُ وَالْفِرَاشُ لَكِنَّ مَسْكَنَ الْمُنْفِقِ يُقَدَّمُ بِهِ بِلَا رَيْبٍ عَلَى مَسْكَنِ قَرِيبِهِ، فَقَوْلُهُمْ يُبَاعُ فِيهَا الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْكِفَايَةِ فِي الْقُوتِ وَنَحْوِهِ، قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ فِيهَا التَّمْلِيكُ) فَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُلْ مَعِي كَفَى وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً أَوْ كِسْوَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى عَرَضَ الْيَسَارُ لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَلَوْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ رَجَعَ رَجَعَتْ الْأُمُّ عَلَيْهِ، بِنَفَقَتِهِ وَكَذَا يُسْتَثْنَى نَفَقَةُ الْحَمْلِ إذَا قُلْنَا لَهُ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، قَوْلُهُ: (أَوْ إذْنِهِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْعِبَارَةِ ثُمَّ الْحَصْرُ يَرِدُ عَلَيْهِ، مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ فَإِنَّ الْأُمَّ تُنْفِقُ مِنْ مَالِهَا أَوْ