فَسَخَ هُوَ بِعَيْبِهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي ارْتِفَاعِهِ كَأَنْ انْفَسَخَ بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ أَوْ رِدَّتِهِ وَالرَّضَاعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَفِي وُجُوبِ السُّكْنَى لَهَا الْقَوْلَانِ وَالرَّابِعُ كَالثَّالِثِ فِي شِقِّهِ الْأَوَّلِ، وَيَجِبُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي قَطْعًا.
(وَتَسْكُنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ وَلَيْسَ لِزَوْجٍ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا وَلَا لَهَا خُرُوجٌ) مِنْهُ فَلَوْ اتَّفَقَتْ مَعَ الزَّوْجِ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ وَعَلَى الْحَاكِمِ الْمَنْعُ مِنْهُ، لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ وَجَبَ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنُ قَالَ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] وَإِضَافَةُ الْبُيُوتِ إلَيْهِنَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَسْكَنُهُنَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالرَّجْعِيَّةُ كَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
وَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ كَالزَّوْجَةِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، (قُلْت وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ) لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ بَيْعِ غَزْلٍ، (وَكَذَا لَيْلًا إلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا) لِلتَّأَنُّسِ فِيهَا لَكِنْ (بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا) وَفِي الْبَائِنِ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ لِمَا ذَكَرَ، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ «أَنَّ رِجَالًا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ فَقَالَتْ نِسَاؤُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فِي بُيُوتِنَا، فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، فَأَذِنَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَا تَخْرُجُ، لِمَا ذَكَرَ إلَّا بِإِذْنِهِ كَالزَّوْجَةِ إذْ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهَا (وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ) عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا (أَوْ عَلَى نَفْسِهَا) مِنْ فُسَّاقٍ مُجَاوِرِينَ لَهَا (أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَمِمَّا يُصَدَّقُ بِهِ الْجِيرَانُ الْأَحْمَاءُ وَقَدْ فَسَّرَ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] بِالْبَذَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْأَحْمَاءِ
(وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ) لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فِيهِ، وَقِيلَ تَعْتَدُّ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ وَقْتَ الْفِرَاقِ فِي الثَّانِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَرْعٌ: حَيْثُ لَمْ تَجِبْ السُّكْنَى نُدِبَ لِلْإِمَامِ إسْكَانُهَا، وَلِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا أَيْضًا وَلِأَجْنَبِيٍّ أَيْضًا حَيْثُ لَا رِيبَةَ، وَتَجِبُ عَلَيْهَا الْإِجَابَةُ إذَا طُلِبَتْ مِنْهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ فِي مَسْكَنٍ، فُورِقَتْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالرَّجْعِيَّةُ كَغَيْرِهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَلَهَا) أَيْ الْمُعْتَدَّةِ حَيْثُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا قَوْلُهُ: (لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ) فَلَوْ احْتَاجَتْ لَيْلًا جَازَ كَالنَّهَارِ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَإِذَا لَمْ تَحْتَجْ لَمْ تَخْرُجْ أَصْلًا وَلَوْ لِعِيَادَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ تَنْمِيَةِ مَالٍ قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ الشِّرَاءُ فِي كَلَامِهِ بِمَا يَشْمَلُ الْبَيْعَ كَذَا قِيلَ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ يُجْعَلُ وَنَحْوُهُ عَقْدًا إلَى الشِّرَاءِ، أَوْ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ كَوْنُ الْعَزْلِ لِلْبَيْعِ أَقْرَبَ مِنْ كَوْنِهِ لِلشِّرَاءِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (إلَى دَارِ جَارَةٍ) وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُلَاصِقَةُ وَمُلَاصَقَتُهَا لَا مَا فِي الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ: (لِلتَّأَنُّسِ) أَيْ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَائِنِ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ: (بِأُحُدٍ) اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ الْوَقْعَةُ قَوْلُهُ: (أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ) وَمِثْلُهَا الْبَائِنُ الْحَامِلُ، قَوْلُهُ: (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ أَمَّا غَيْرُهَا فَلَهَا الْخُرُوجُ لِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، كَالتَّأَنُّسِ مَعَ الْجَارَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ) أَيْ إلَى أَقْرَبِ الْمَسَاكِنِ إلَيْهِ حَيْثُ أَمْكَنَ وُجُوبًا قَوْلُهُ: (وَمَالِهَا) وَإِنْ قَلَّ وَاخْتِصَاصُ قَوْلِهِ: (أَذًى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُنَوَّنًا أَيْ إيذَاءً شَدِيدًا بِحَيْثُ لَا يَحْتَمِلُ عَادَةً. نَعَمْ إنْ تَعَدَّتْ عَلَيْهِمْ مَنَعَهَا الْحَاكِمُ مِنْهُ وَمِنْ الْخُرُوجِ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ) أَيْ الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ تَأْمَنْ مَعَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ أَوْ دَعْوَى أَوْ يَمِينٌ، وَلَيْسَتْ مُخَدَّرَةً أَوْ لَزِمَهَا تَغْرِيبٌ فِي زِنًا.
قَوْلُهُ: (الْأَحْمَاءُ) أَيْ غَيْرَ أَبَوَيْهَا نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا أَوْ ضَاقَتْ الدَّارُ عَنْهَا، وَعَنْهُمْ وَطَالَ التَّأَذِّي مِنْهَا لَهُمْ أَوْ عَكْسُهُ نُقِلُوا عَنْهَا وُجُوبًا، وَأَمَّا الْأَبَوَانِ فَلَا يَجِبُ نَقْلُهَا عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمُشَاحَنَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَطُولُ بَلْ يَنْدُبُ نَقْلُهَا فَقَطْ. وَقَوْلُهُمْ وَضَاقَتْ الدَّارُ عَنْهُمْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا إذَا اتَّسَعَتْ لَا يَجِبُ النَّقْلُ وَفِيهِ بَحْثٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (إلَى مَسْكَنٍ) أَيْ فِي الْبَلَدِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ وُصُولِهَا) أَيْ وَبَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْبَيْتِ وَإِلَّا وَجَبَ بَقَاؤُهَا فِيهِ وَسَيَأْتِي، قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّرَاضِي فَكَذَا تَوَابِعُهَا مِمَّا فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، قَوْلُهُ: (مَسْكَنُهُنَّ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُنَّ وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِالْمُطَلَّقَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا بَائِنٌ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ طَلُقَتْ خَالَتِي سُلَيْمَى فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَجَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَلَى تَجُذِّي نَخْلَك فَإِنَّك عَسَى أَنْ تَتَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا» قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَخِيلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْجَذُّ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا