مِنْ الْحَبِّ الَّذِي هُوَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ، وَقِيلَ يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ رِطْلَيْ خُبْزٍ وَقَلِيلَ أُدْمٍ وَتَقَدَّمَ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ الْمَكْفِيَّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ، أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الْأَصَحِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُزَادَ عَلَى الْمَنْفِيَّاتِ هُنَا، وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالزَّوْجَةِ، وَالْقَرِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ الصَّرْفُ إلَيْهِ لِخُرُوجِهِ بِذِكْرِ الْفَقِيرِ، وَ " لَا " هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى " غَيْرَ " ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَثْنَى وَيُزَادُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ فَلَا يُجْزِئُ الصَّرْفُ إلَيْهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ وَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ، اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ السُّقُوطُ فَيَأْتِي ذَلِكَ هُنَا.
كِتَابُ اللِّعَانِ هُوَ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ - أَرْبَعَ مَرَّاتٍ -: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَى إلَى آخِرِهِ
فَلِذَلِكَ قَالَ (يَسْبِقُهُ قَذْفٌ وَصَرِيحُهُ) أَيْ الْقَذْفِ مُطْلَقًا (الزِّنَى كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ: زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِي، أَوْ يَا زَانِيَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (كَمَا فِي الزَّكَاةِ) فَلَا يَكْفِي الدَّفْعُ لِمَوَالِيهِمْ وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (سِتِّينَ مُدًّا) فَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْهَا وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَوْلُهُ: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ) هَذَا رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْجُمْلَةِ لِلْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْدَادَ وَالْمَسَاكِينَ، وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ، وَلَوْ بِوَضْعِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَهُمْ بَعْدَ مِلْكِهَا قِسْمَتُهَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَنْ الْمُدِّ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَا أَخَذَ لَزِمَ نَقْصُ غَيْرِهِ عَنْهُ. فَلَا يُجْزِئُ أَوْ شَرِيكًا بِقَدْرِ الْمُدِّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقَّهُ، وَبِهَذَا قَالَ الْخَطِيبُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ حَيْثُ مُسَامَحَةُ غَيْرِهِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُ تَرْكِ بَعْضِهِمْ حِصَّتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ: خُذُوهُ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ لَمْ يَجُزْ قِسْمَتُهُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَصَحَّ قَبْضُهُمْ بِلَا تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُعَامَلَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثِيَابًا وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبٌ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ عَشَّاهُمْ، أَوْ غَدَّاهُمْ، وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يَكْفِي.
فَرْعٌ: دَفَعَ سِتِّينَ مُدًّا لِضِعْفِهَا مِسْكِينًا لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ مُدٍّ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ سِتِّينَ مُدًّا لِأَحَدٍ وَسِتِّينَ مِسْكِينًا لِنَقْصِ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ الْمُدِّ، فَلَوْ دَفَعَ ثَلَاثِينَ مُدًّا أَيْضًا لِسِتِّينَ مِنْهُمْ فِي الْأُولَى كَفَى وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْبَاقِي بِشَرْطِهِ فِي الزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَبِّ) وَمِثْلُهُ اللَّبَنُ وَالْأَقِطُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِهِ كَالْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: (بَلَدِ الْمُكَفِّرِ) أَيْ حَالَ وُجُوبِ التَّكْفِيرِ حِينَ إرَادَةِ التَّكْفِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَفِّرِ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ لَا نَحْوُ وَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ إنْ كَفَّرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا جَازَ دَفْعُهَا لَهُ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ قَوْلُهُ: (اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ) وَحِينَئِذٍ لَا يُحَرَّمُ الْوَطْءُ عَلَى الْمُظَاهِرِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ تَرَكَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى خَصْلَةٍ) وَلَوْ الْأَخِيرَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْضِ خَصْلَةٍ مِنْ الْعِتْقِ، أَوْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ إذَا قَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ، وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا فَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ بَلْ يُنْدَبُ كَمَا تَقَدَّمَ
كِتَابُ اللِّعَانِ وَمَعَهُ الْقَذْفُ فَهُوَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ مَعِيبٍ وَهُوَ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَى فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ
، فَخَرَجَ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الزِّنَى وَلَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ لَا الْحَدُّ وَخَرَجَ أَيْضًا الشَّهَادَةُ وَالتَّجْرِيحُ فِيهَا نَعَمْ لَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعٍ بِالزِّنَى حُدُّوا، وَاللِّعَانُ مَصْدَرُ " لَاعَنَ "، أَوْ جَمْعُ اللَّعْنِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْإِبْعَادُ؛ لِأَنَّ الْكَاذِبَ مِنْهُمَا بَعِيدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الدُّنْيَا اتِّفَاقًا وَفِي الْآخِرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ هُنَا فَضْلَ الْإِطْعَامِ عَنْ الْقُوتِ كَمَا فِي الصِّيَامِ وَالظَّاهِرُ مَجِيئُهُ هُنَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ عَمَّنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَقْدِرْ فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ قَالَ الرَّجُلُ: مَا أَجِدُ أَفْقَرَ إلَيْهِ مِنَّا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْفَضْلِ عَنْ الْقُوتِ قَالَ - أَعْنِي التِّرْمِذِيَّ -، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَتَكُونَ الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَمَتَى مَلَكَ يَوْمًا كَفَّرَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مَلَّكَهُمْ وَهُوَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ اللَّفْظِ، قَوْلُهُ: (سِتِّينَ مُدًّا) أَيْ لِمَا فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ أَنَّ الْعِرْقَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، قَوْلُهُ: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ) الْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِهَذَا صَرِيحًا قَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى خَصْلَةٍ) أَيْ بِخِلَافِ بَعْضِهَا إلَّا الْإِطْعَامَ
[كِتَابُ اللِّعَانِ]
قَوْلُهُ (فَلِذَلِكَ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ: التَّرْجَمَةُ قَاصِرَةٌ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا فِي الْبَابِ مِنْ أَحْكَامِ الْقَذْفِ، قَوْلُهُ: (يَسْبِقُهُ قَذْفٌ) لَوْ كَانَ هُنَا وَلَدٌ