وَقَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ وَقْتَ النِّكَاحِ، وَفِي غَيْرِ الْغَالِبِ كَالْمَشْرِقِيِّ مَعَ الْمَغْرِبِيَّةِ تَكُونُ الْمُدَدُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ، وَدَلِيلُ الْمُدَّةِ الْأُولَى - أَيْ اعْتِبَارِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ - قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] مَعَ قَوْلِهِ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] وَدَلِيلُ الْمُدَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» إلَى آخِرِهِ.
(أَوْ) ادَّعَتْ (انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً وَهَذِهِ اللَّحْظَةُ لِاسْتِبَانَةِ الْقَرْءِ الثَّالِثِ، وَلَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ: هِيَ مِنْهَا حَتَّى تَصِحَّ الرَّجْعَةُ فِيهَا، وَاللَّحْظَةُ الْأُولَى قِيلَ: لَا تُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إنَّ الْقَرْءَ الِانْتِقَالُ مِنْ طُهْرٍ إلَى دَمٍ، وَيُصَوَّرُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا إذَا عَلَّقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ طُهْرِهَا (أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمًا، وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ وَتَحِيضَ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً وَهَذِهِ اللَّحْظَةُ لِلِاسْتِبَانَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ.
(أَوْ أَمَةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُطَلِّقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الطُّهْرِ لَحْظَةٌ، ثُمَّ تَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَتَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً لِاسْتِبَانَةِ الْقَرْءِ الثَّانِي، وَهُوَ تَمَامُ عِدَّةِ الْأَمَةِ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى اللَّحْظَةِ فِي الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) فِي (حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُعَلِّقَ الطَّلَاقَ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ وَتَحِيضَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، ثُمَّ تَطْهُرَ أَقَلَّ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضِ لَحْظَةً.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي طُهْرِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْبُوقٌ بِحَيْضٍ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَهَا الْحَيْضُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا - حُرَّةً - ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ - وَأَمَةً - اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ بِنَاءً فِيهِمَا عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْقَرْءَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوِشُ بِدَمَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَرْجُوحِ، فَالْحُكْمُ كَحُكْمِ مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (مِنْ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ) أَيْ عَادَةً وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ مِنْ نَحْوِ وَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وَفِصَالُهُ) أَيْ رَضَاعُهُ فِي عَامَيْنِ أَيْ مُدَّةَ عَامَيْنِ وَهُمَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ، وَاعْتِبَارُ زِيَادَةِ اللَّحْظَتَيْنِ لِمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (إنَّ أَحَدَكُمْ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، يَا بَنِي آدَمَ يُجْمَعُ: أَيْ يُضَمُّ وَيُحْفَظُ خَلْقُهُ أَيْ مَادَّةُ خَلْقِهِ، وَهُوَ الْمَنِيُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْ فِيهَا بَعْدَ سَبْعَةٍ مِنْهَا، أَوْ فِي آخِرِهَا فَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ النُّطْفَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفُرٍ وَشَعْرٍ وَعِرْقٍ وَعُضْوٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا تَمْكُثُ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ تَصِيرُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا، ثُمَّ تَكُونُ عَقِبَ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ عَلَقَةً، أَيْ قِطْعَةَ دَمٍ تَجْمُدُ شَيْئًا فَشَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ، أَيْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَقِبَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ تَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَيْضًا مُضْغَةً أَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ وَتَقْوَى شَيْئًا فَشَيْئًا، مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَقِبَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ يُرْسِلُ اللَّهُ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالرَّحِمِ، وَمَعْنَى إرْسَالُهُ أَمْرُهُ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالرَّحِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ مُضْغَةٌ، فَيَنْفُخُ فِيهِ بَعْدَ تَشَكُّلِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْإِنْسَانِ الرُّوحَ وَهُوَ مَا يَعِيشُ بِهِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى» وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ إرْسَالَ الْمَلَكِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الرَّابِعَةِ وَفِي أُخْرَى فِي الثَّالِثَةِ وَفِي أُخْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي أُخْرَى فِي الْأُولَى، وَقَدْ انْتَشَرَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا بِأَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا، أَنَّهُ بَعْدَ الْأُولَى لِتَصْوِيرِهِ الْخَفِيِّ، وَالثَّانِيَةِ لِتَصْوِيرِهِ الظَّاهِرِ وَالثَّالِثَةِ لِتَشَكُّلِهِ، وَالرَّابِعَةِ لِنَفْخِ الرُّوحِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ بَعْدَ الْأُولَى لِمَبَادِئِ تَخْطِيطِهِ الْخَفِيِّ، وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ لِمَبَادِئِ تَخْطِيطِهِ الظَّاهِرِ، وَبَعْدَ الثَّالِثَةِ لِمَبَادِئِ تَشَكُّلِهِ، وَهَكَذَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَاضْطِرَابِ الْأَحْوَالِ فِيهِ، فَإِنَّهُ زُبْدَةُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْبِيرُ الْأَحَادِيثِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي مُؤَوَّلٌ فَرَاجِعْهُ
قَوْلُهُ: (لِاسْتِبَانَةِ الْقَرْءِ) أَيْ لِمَعْرِفَةِ تَمَامِهِ فَلَا رَجْعَةَ فِيهَا، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهَا لَوْ وَقَعَ.
قَوْلُهُ: (فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَحْظَةٌ) وَمِثْلُهَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا، وَلَمْ تَرَ نِفَاسًا وَكَانَتْ مُعْتَادَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَمَةً) أَيْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَحْظَةٌ) هِيَ اللَّحْظَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَلَا حَاجَةَ لِاعْتِبَارِ اللَّحْظَةِ الْأُولَى فِيهِمَا، لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيْضِ، نَظَرَ فِيهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ جَهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهَا طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى الْحَيْضِ احْتِيَاطًا لِلِانْقِضَاءِ، قَالَ شَيْخُنَا وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهَا فَرَاجِعْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَيُصَوَّرُ) أَيْ وَيُصَوَّرُ الْإِمْكَانُ عَلَى هَذَا بِهَذَا.
قَوْلُهُ: (بِآخِرِ جُزْءٍ) وَهَذَا بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَ الطَّلَاقِ لَحْظَةٌ، وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِي طُهْرٍ خِلَافَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ حَيْضٍ إلَخْ) لَوْ شَكَّتْ فَلَمْ تَدْرِ هَلْ هِيَ طَلُقَتْ فِي الْحَيْضِ أَوْ الطُّهْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ حُمِلَ أَمْرُهَا، عَلَى الْأَقَلِّ، وَقَالَ شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ لَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ الْوَجْهُ.