(فَحِينَ تَحِيضُ) أَيْ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ وَهَذَا كَمَا رَأَيْت خِطَابٌ لِمَنْ يَكُونُ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا، فَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَا يَتَّصِفُ طَلَاقُهَا بِذَلِكَ كَغَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ مُطْلَقًا وَيَلْغُو ذِكْرُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، (وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ) فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ أَوْ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ حِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، (وَطَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبِدْعَةِ) فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَكَذَا فِي طُهْرٍ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ وَلَوْ خَاطَبَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَنْ لَيْسَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَالْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَعَ فِي الْحَالِ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ قَالَ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ (أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً وَقَعَ فِي الْحَالِ) وَيَلْغُو ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ لِتَضَادِّهِمَا
(وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ) أَيْ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا دَفْعَةً لِانْتِقَاءِ الْمَحْرَمِ لَهُ وَالْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهُ بِأَنْ يُفَرِّقَهُنَّ عَلَى الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ أَوْ التَّجْدِيدِ إنْ نَدِمَ (وَلَوْ قَالَ) لِمَمْسُوسَةٍ (أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهِمَا عَلَى أَقْرَاءٍ) أَيْ قَالَ إنَّهُ نَوَى فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً (لَمْ يُقْبَلْ) فِي الظَّاهِرِ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً فِي الْحَالِ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرًا وَحِينَ تَطْهُرُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا وَلَا سُنَّةَ فِي التَّفْرِيقِ، (إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ) لِلثَّلَاثِ دَفْعَةً كَالْمَالِكِيِّ فَيُقْبَلُ (لِمُوَافَقَةِ تَفْسِيرِهِ لِاعْتِقَادِهِ، وَالْأَصَحُّ) عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ (أَنَّهُ يُدَيَّنُ) فِيمَا نَوَاهُ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَطْلُبَهَا وَلَهَا تَمْكِينُهُ إنْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ بِقَرِينَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلتَّوْقِيتِ لَا أَنَّهُ شَأْنُهَا فِيمَا يَتَكَرَّرُ، وَيَبْعُدُ انْتِظَارُهُ وَفِي غَيْرِهِ لِلتَّعْلِيلِ. فَلَوْ أَرَادَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَيَدِينُ. قَوْلُهُ: (لَمْ تَمَسَّ فِيهِ) وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَسَّ الْأَجْنَبِيِّ بِشُبْهَةٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَسَّتْ) أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَمَسَّ فِيهِ) أَيْ الطُّهْرِ قَبْلَ التَّعْلِيقِ وَلَا بَعْدَهُ فَإِنْ مَسَّهَا بَعْدَهُ وَقَعَ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، وَيَجِبُ النَّزْعُ حَالًا وَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ وَلَوْ عَالِمًا وَكَأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنًا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مُبَاحٌ وَاسْتِدَامَةُ الْوَطْءِ لَيْسَتْ وَطْئًا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْقَطَعَ) خَرَجَ مَا لَوْ مَاتَتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُهُ لَوْ عَاشَتْ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ تَوَقُّفُ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنٍ عُلِّقَ بِهِ وَإِنْ نَوَاهُ حَالًّا لِأَنَّ اللَّفْظَ يُنَافِيهِ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ فِي الْحَالِ مُطْلَقًا) لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا عُلِمَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وَقْتٍ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَقْتِ كَقَوْلِهِ لِوَقْتِ السُّنَّةِ، أَوْ لِوَقْتِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ مَا ذَكَرَ مِمَّا يُمْكِنُ لَمْ يُقْبَلْ وَيَدِينُ. قَوْلُهُ: (سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً) أَوْ لَا سُنِّيَّةٌ وَلَا بِدْعِيَّةٌ وَكَذَا مَا بَعْدُ. قَوْلُهُ: (وَقَعَ فِي الْحَالِ) فَإِنْ قَالَ سُنِّيَّةٌ وَبِدْعِيَّةٌ وَقَعَ حَالًا إنْ لَمْ يَتَّصِفْ طَلَاقُهَا بِهِمَا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى مَجِيءِ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَجِيءِ الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ أَوْ فِي حَالِ سُنَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ، وَلَا تَعْلِيقَ فَإِنْ قَالَ لَهَا طَلَاقًا سُنِّيًّا الْآنَ وَقَعَ حَالًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَأَنْتِ طَاهِرٌ فَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ طَاهِرٌ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ وَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدُ.
فَرْعٌ: قَالَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ طَلُقَتْ حَالًا، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ أَرَادَ كَالثَّلْجِ فِي الْبَيَاضِ وَالنَّارِ فِي الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ فِي حَالِ السُّنَّةِ، وَأَرَادَ كَالثَّلْجِ فِي الْبُرُودَةِ وَالنَّارِ فِي الْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ حَالًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورُ فَرَاجِعْ وَانْظُرْ وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ وَقَعَ حَالًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَيَلْغُو ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ لِتَضَادِّهِمَا) فَلَوْ فَسَّرَ الْحُسْنَ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ، وَالْقُبْحَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا بَعْضَهَا لِلسُّنَّةِ وَبَعْضَهَا لِلْبِدْعَةِ عُمِلَ بِمَا أَرَادَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ شُطِرَتْ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ حَالًا وَالْأُخْرَى فِي الْأُخْرَى.
قَوْلُهُ: (هِيَ أَوْ يُطَلِّقُ ثَلَاثًا) أَيْ وَلَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْهَا كَسَبْعِينَ وَلَا حُرْمَةَ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُفَرِّقَهُنَّ) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ بِاللَّفْظِ كَأَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً.
قَوْلُهُ: (طَاهِرًا) وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ. قَوْلُهُ: (وَيَطْلُبُهَا) هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْقَافِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَهَا تَمْكِينُهُ) وَلِلْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا اجْتَمَعَا وَهَلْ يَحُدُّهُ حِينَئِذٍ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) بِأَنْ شَكَّتْ فِي حَالِهِ أَوْ ظَنَّتْ كَذِبَهُ، فَلَا تُمَكِّنُهُ فَيُكْرَهُ تَمْكِينُهُ فِي الْأُولَى، وَيَحْرُمُ فِي الثَّانِيَةِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ، فَلَا يُطَلِّقُهَا إلَّا فِي الطُّهْرِ الْكَائِنِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ. قَوْلُهُ: (فَحِينَ تَحِيضُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى الْحَيْضِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ إذَا وَطِئَ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ صَدَقَتْ الصِّفَةُ، فَيَقَعُ الطَّلَاقُ.
قَوْلُهُ: (كَالْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ) أَبْرَزَهُمَا هُنَا كَمَا أَبْرَزَ فِيمَا سَلَفَ غَيْرَ الْمَمْسُوسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، لِيَكُونَ ذَاكِرًا أَوَّلًا مَا أَبْهَمَهُ آخِرًا وَذَاكِرًا آخِرًا مَا أَبْهَمَهُ أَوَّلًا. .
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلَقَاتِ) احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيُّ عَقَّبَ لِعَانَهُ زَوْجَتَهُ قَالَ كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ حَكَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَبَتَّ طَلَاقَهَا، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُغْنِي ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُفَرِّقَهُنَّ عَلَى الْأَقْرَاءِ) أَيْ يُوقِعَ طَلَاقًا فِي طُهْرِ قُرْءٍ ثُمَّ يَصِيرَ إلَى قُرْءٍ ثُمَّ يُوقِعَ فِيهِ طَلَاقًا إلَى آخَرَ وَهَكَذَا. قَوْلُهُ: (أَوْ التَّجْدِيدُ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ بَائِنًا بِدُونِ ثَلَاثٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ) لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَانْتَظَمَ مَعَ كَلَامِهِ السَّابِقِ، كَمَا فِي أَرَدْت إنْ شَاءَ زَيْدٌ بِخِلَافِ أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا سَيَجِيءُ، وَإِنْ انْتَظَمَ مَعَ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَكِنْ فِيهِ رَفْعٌ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت مِنْ وَثَاقٍ وَلَا قَرِينَةَ فَإِنَّهُ