كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَعْلِيقٌ لَا رُجُوعَ لِلزَّوْجِ فِيهِ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ لَفْظًا (لَكِنْ يُشْتَرَطُ) فِيهِ (إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ) ، لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَتَى، لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ كَأَيِّ وَقْتٍ وَأَنْ لَا تَشْمَلَهَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ إلْحَاقَ إذَا بِمَتَى مُحْتَجًّا، بِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَك مَتَى أَلْقَاك جَازَ أَنْ تَقُولَ إذَا شِئْت، كَمَا تَقُولُ مَتَى شِئْت وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ إنْ شِئْت، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ بَلْ يَكْفِي الْإِعْطَاءُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، كَمَا فِي الْقَيْضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ.
(وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ) كَأَنْ قَالَتْ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا، (فَأَجَابَ فَمُعَاوَضَةٌ مَعَ شَوْبِ جَعَالَةٍ) لِأَنَّهَا تَبْذُلُ الْمَالَ فِي تَحْصِيلِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُحَصِّلِ لِلْغَرَضِ، كَمَا أَنَّ الْجَعَالَةَ بَذْلُ الْجَاعِلِ الْمَالَ فِي تَحْصِيلِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَامِلُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُحَصِّلِ لِلْغَرَضِ، (فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ) ، لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لَهَا، (وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ) ، لِأَنَّهُ شَأْنُ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ بَيْنَ أَنْ تَطْلُبَ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ، أَوْ تَعْلِيقٍ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِأَنْ أَوْ بِمَتَى نَحْوُ إنْ طَلَّقْتنِي أَوْ مَتَى طَلَّقْتنِي فَلَكَ كَذَا وَإِنْ أَجَابَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَتْهُ لَمْ يَضُرَّ.
(وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ) وَهُوَ يَمْلِكُهَا، (فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثَلَاثَةٍ) أَوْ سَكَتَ عَنْ الْعِوَضِ، (فَوَاحِدَةٌ بِثُلُثِهِ) تَغْلِيبًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ، وَلَوْ قَالَ فِيهَا رُدَّ عَبِيدِي الثَّلَاثَةَ وَلَك أَلْفٌ فَرَدَّ وَاحِدًا اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِهِ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ صِيغَةُ مُعَاوَضَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا طَلْقَةً. .
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (كَذَا) الْمُرَادُ بِهِ مَعْلُومٌ كَأَلْفٍ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ، إلَّا كَإِنْ أَعْطَيْتنِي ثَوْبًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ ثَوْبًا لَمْ تَطْلُقْ مُطْلَقًا كَإِعْطَاءِ الْحُرَّةِ مَغْصُوبًا، فِيمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ فِي الْحُرَّةِ وَالْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ نَعَمْ إنْ عَلَّقَ بِنَحْوِ خَمْرٍ، فَهِيَ كَالْحُرَّةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَوْرِيَّةُ وَيُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي الْغَائِبَةِ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ، وَفِي الْحَاضِرَةِ بِالْمَجْلِسِ، وَإِذَا أَعْطَتْهُ الْأَمَةُ مَا عَلَّقَ بِهِ، وَلَوْ مِنْ كَسْبِهَا أَوْ مَغْصُوبًا طَلُقَتْ وَيَرُدُّهُ وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ فِي الدَّيْنِ كَمَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُمَا مِمَّا يَمْلِكُ بِالْإِعْطَاءِ.
قَوْلُهُ: (فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ) مَعَ كَوْنِ الْمُغَلِّبِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ التَّعْلِيقَ فَلَا يَرُدُّ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ إلَخْ) وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الزَّمَنَ فِي مَتَى عَامٌّ وَفِي إذَا مُطْلَقٌ فَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ.
تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّعْلِيقِ فِي الْإِثْبَاتِ وَسَيَأْتِي النَّفْيُ وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ فَإِنْ أَجَابَ لَا عَلَى الْفَوْرِ، وَقَعَ رَجْعِيًّا فَإِنْ ادَّعَى جَهْلَ الْفَوْرِيَّةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا إنْ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) أَيْ وَيَقَعُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (سَكَتَ عَنْ الْعِوَضِ) قَالَ شَيْخُنَا أَوْ سَكَتَ عَنْ طَلْقَةٍ قَالَ الشَّيْخَانِ وَكَذَا عَنْ النِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (بِثُلُثِهِ) فَلَوْ صَرَّحَ بِغَيْرِ الثُّلُثِ فِي الطَّلْقَةِ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ وَلَوْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ فَلَهُ ثُلُثَانِ وَلَوْ طَلَّقَ نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَلَهُ سُدُسُ الْأَلْفِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا أَوْقَعَهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا بِمَا وَقَعَ حَيْثُ لَمْ يَسْتَوْفِ الثَّلَاثَ فَلَوْ طَلَبَتْ عَشْرًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ ثِنْتَيْنِ فَلَهُ خُمُسُ الْأَلْفِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَكْثَرَ فَلَهُ كُلُّ الْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَ يَدَهَا مَثَلًا بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ لِلْجَهْلِ بِمَا يُقَابِلُ الْيَدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ) يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لُوحِظَ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ وَالتَّعْلِيقُ مَعًا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ) بَسَطَ مَا فِي الرَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ أَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِعْطَاءِ فِي الْمَجْلِسِ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ تَتَعَجَّلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَتَى وَأَخَوَاتِهَا لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنْ وَإِذَا لَا تَشْمَلُهَا وَإِنَّمَا تَقْتَضِي التَّعْلِيقَ وَالِاشْتِرَاطَ فَقَطْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ إنْ وَإِذَا أَعْطَيْتنِي الْآنَ أَوْ سَاعَةَ كَذَا وَلَا يَنْتَظِمُ مَتَى أَوْ أَيَّ وَقْتٍ أَعْطَيْتنِي الْآنَ أَوْ سَاعَةَ كَذَا، فَلَمْ تَصِحَّ إنْ وَإِذَا دَافِعَةً لِلْقَرِينَةِ الْمُتَقَضِّيَةِ لِلتَّعْجِيلِ اهـ.
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ إنْ وَإِذَا الْفَوْرِيَّةَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ يَنْبَسِطُ عَلَى الْأَزْمَانِ بَلْ لِلِاقْتِرَانِ بِالْعِوَضِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّعْجِيلِ بِخِلَافِ مَتَى، فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ، لِأَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْأَزْمَانِ وَمُقْتَضَى النُّصُوصِ لَا تَدْرَؤُهُ الْقَرَائِنُ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ إنْ وَإِذَا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ حَيْثُ قَالُوا، لَوْ قَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ تَطْلُقُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْيَأْسِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ لَا إشْعَارَ لَهُ بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ إذَا وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَوْرِيَّةِ هُنَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْ أَعْطَيْتنِي بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (فَمُعَاوَضَةٌ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا تُحَصِّلُ الْمِلْكَ فِي الْبُضْعِ بِمَا تَبْذُلُهُ مِنْ الْعِوَضِ، وَأَمَّا شَوْبُ الْجَعَالَةِ فَلَعَلَّهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَزَادَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْحَامِلَ مُلْتَمِسٌ مَا فِيهِ خَطَرٌ قَدْ يَتَأَتَّى وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى، وَالْمَرْأَةُ تَلْتَمِسُ مِنْ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ الْقَابِلَ لِلتَّعْلِيقِ، بِالْإِخْطَارِ وَالْإِقْرَارِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَبْذُلُ الْمَالَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ مَعَ شَوْبِ جَعَالَةٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ شَأْنُ الْمُعَاوَضَةِ) فَإِنْ قِيلَ لَمْ جَوَّزْتُمْ التَّأْخِيرَ نَظَرًا لِشَائِبَةِ الْجَعَالَةِ، كَمَا جَوَّزَ التَّعْلِيقَ لَهَا قُلْت أُجِيبُ بِتَيَسُّرِ التَّعْجِيلِ عَلَيْهِ وَتَعَسُّرِهِ، عَلَى عَامِلِ الْجَعَالَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّرَاخِي.
قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْمَالَ هُوَ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ مِنْ جَانِبِ الرَّجُلِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيَاسُ كَوْنِهِ مُعَاوَضَةً عَدَمُ جَوَازِ التَّعْلِيقِ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ بِعْتنِي فَلَكَ كَذَا لَكِنْ لِمَا هُنَا مِنْ شَائِبَةِ الْجَعَالَةِ احْتَمَلَتْ صِيغَةُ التَّعْلِيقِ
قَوْلُهُ: