بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِذَا غَرِمَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا قَصَدَ الرُّجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ، فَإِذَا أَدَّى مِنْهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهَا فِي الْخُلْعِ ذِمِّيًّا أَيْضًا (وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ) فِي الْخُلْعِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ وَقَبَضَ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَ يَبْرَأُ وَالْمُوَكِّلَ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ، وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ امْرَأَةً بِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا) ، لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك، وَذَلِكَ إمَّا تَمْلِيكٌ لِلطَّلَاقِ أَوْ تَوْكِيلٌ بِهِ إنْ كَانَ تَوْكِيلًا فَذَاكَ أَوْ تَمْلِيكًا فَمَنْ جَازَ تَمْلِيكُهُ الشَّيْءَ جَازَ تَوْكِيلُهُ بِهِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ وَكَّلَتْ الزَّوْجَةُ امْرَأَةً بِاخْتِلَاعِهَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِاسْتِقْلَالِ الْمَرْأَةِ بِالِاخْتِلَاعِ، (وَلَوْ وَكَّلَا رَجُلًا) فِي الْخُلْعِ (تَوَلَّى طَرَفًا) مِنْهُ مَعَ أَحَد الزَّوْجَيْنِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، (وَقِيلَ) يَتَوَلَّى (الطَّرَفَيْنِ) لِأَنَّ الْخُلْعَ يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ خُلْعًا وَعَلَى هَذَا، فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ شِقَّيْ الْخُلْعِ خِلَافٌ كَمَا فِي بَيْعِ الْأَبِ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ وَلَدِهِ.
فَصْلٌ: الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ يُنْقِصُ الْعَدَدَ، فَإِذَا خَالَعَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَنْكِحْهَا إلَّا بِمُحَلِّلٍ، (وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ عَدَدًا) وَيَجُوزُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَفْظُ الْفَسْخِ) كَأَنْ قَالَ فَسَخْت نِكَاحَك بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ (كِنَايَةٌ) فِي الطَّلَاقِ يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَى نِيَّةٍ كَمَا أَنَّهُ قَوْلُ الْفَسْخِ صَرِيحٌ فِيهِ.
(وَالْمُفَادَاةُ) كَأَنْ قَالَ فَدَيْتُك بِكَذَا، فَقَالَتْ قَبِلْت أَوْ افْتَدَيْت.
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَأْذَنْ السَّيِّدُ لَهُ وَتُطَالَبُ هِيَ حَالًا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (إذَا قَصَدَ الرُّجُوعَ) كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُ الرُّجُوعُ فِي الْإِطْلَاقِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فَيَرْجِعُ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ. قَوْلُهُ: (بِكَسْبِ الْعَبْدِ) وَمَا فِي يَدِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (رَجَعَ) أَيْ السَّيِّدُ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (ذِمِّيًّا) وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ كَمَا مَرَّ فِي الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَيْ بِالسَّفَهِ فِي الْخُلْعِ، وَلَا فِي قَبْضِ الْعِوَضِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ نَعَمْ إنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ، وَالسَّيِّدُ صَحَّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ وَكَّلَهُ وَقَبَضَ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَ يَبْرَأُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا أَوْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى دَفْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ. قَوْلُهُ: (أَوْ تَمْلِيكًا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يَأْتِي لِلنِّكَاحِ وَهِيَ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا فِيهِ.
فَصْلٌ فِي ذِكْرِ صِيغَةِ الْخُلْعِ وَمَا مَعَهَا قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَفْتَى بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مُتَكَرِّرًا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ لَا يَنْقُصُ عَدَدًا إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ وَفِي فِيهِ بَعْدَهُ عَائِدٌ إلَى الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُفَادَاةُ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَكَذَا مَصْدَرُهَا وَلَفْظُ الْخُلْعِ كَذَلِكَ، وَكَانَتْ الْمَصَادِرُ هُنَا صَرَائِحَ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِهَا فِي الطَّلَاقِ وَالسَّرَاحُ، وَالْفِرَاقُ لِوُجُودِ الِاشْتِهَارِ وَالِاسْتِعْمَالِ هُنَا، قَالَ شَيْخُنَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ هُنَا مِنْ انْضِمَامِ ذِكْرِ الْمَالِ مَثَلًا كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (طُولِبَ بِالْمَالِ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الزَّوْجَةِ الْآنَ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَلَفَ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ مِنْ الْحُرِّ الرَّشِيدِ. قَوْلُهُ: (فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الْمُخْتَلِعَ يَبْرَأُ) خَصَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، قَالَ وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَاقَهَا) يُسْتَثْنَى مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ بَعْضِهِمْ لِتَضُمّنِ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ.
[فَصْلٌ الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ]
فَصْلٌ قَوْلُهُ: (الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ) اُحْتُرِزَ عَنْ الْفُرْقَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى عِوَضٍ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ جَزْمًا قَوْلُهُ: (طَلَاقٌ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ لِأَنَّ الْفَسْخَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ كَمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا الْحُكْمُ بِالطَّلَاقِ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا الصَّرَاحَةُ وَعَدَمُهَا فَسَتَأْتِي قَوْلُهُ: (يَنْقُصُ) خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلِ فَسْخٍ إلَخْ) هَذَا الْقَائِلُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] إلَخْ. فَإِنَّ تَعْقِيبَهُ لِلْخَلْعِ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلْقَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ طَلْقَةً رَابِعَةً، لَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ {مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِ {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا ذِكْرُ الْخُلْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَجَّانًا تَارَةً وَبِعِوَضٍ أُخْرَى، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيَّيْنِ مَحِلُّ الْخِلَاف إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْخُلْعِ الطَّلَاقَ وَإِلَّا لَكَانَ طَلَاقًا جَزْمًا لَكِنْ حَكَى الْإِمَامُ خِلَافًا فِي انْصِرَافِ الْخُلْعِ إلَى الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ إنْ جَعَلْنَاهُ فَسْخًا قَالَ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى الْمَنْعِ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا وَفِي قَوْلِ فَسْخٍ) بِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَوْلُهُ: (كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ) أَيْ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَلَيْسَ بَصَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ عُرْفًا فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (فِيهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (وَالْمُفَادَاةُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَفْظُ الْفَسْخِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ قَبِلْت إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الْمُفَادَاةِ فِي الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعًا. أَخْذًا مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُفَادَاةِ قَوْلُهُ فِي صَرَاحَتِهِ الْآتِيَةِ. عِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ أَيْ كَلَفْظِ الْخُلْعِ فَيَجِيءُ الْقَوْلَانِ لِوُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ وَصُورَتُهُ