تَبَاغُضِهِمَا يُوَلِّدُ كَثْرَةَ الْمُخَاصَمَةِ، وَيُشَوِّشُ الْعِشْرَةَ، فَإِنْ رَضِيَتَا بِهِ جَازَ لَكِنْ يُكْرَهُ وَطْءُ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمُرُوءَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا الْإِجَابَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ دَارٌ عَلَى حُجَرٍ مُفْرَدَةِ الْمَرَافِقِ جَازَ إسْكَانُ الضَّرَّاتِ، فِيهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُنَّ وَكَذَا إسْكَانُ، وَاحِدَةٍ فِي السُّفْلِ، وَأُخْرَى فِي الْعُلْوِ وَالْمَرَافِقُ مُتَمَيِّزَةٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِمَّا ذُكِرَ مَسْكَنٌ.

(وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَالْأَصْلُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ تَبَعٌ) لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ السُّكُونِ وَالنَّهَارُ، وَقْتُ التَّرَدُّدِ فِي الْحَوَائِجِ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] ، وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] .

(فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ فَعَكْسُهُ) ، أَيْ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ النَّهَارُ وَاللَّيْلُ تَابِعٌ لَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُقِيمِ.

أَمَّا الْمُسَافِرُ الَّذِي مَعَهُ زَوْجَاتُهُ فَعِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ وَقْتُ النُّزُولِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا.

(وَلِيس لِلْأَوَّلِ) وَهُوَ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّهِ اللَّيْلُ (دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا، إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ) ، وَلَوْ ظَنًّا (وَحِينَئِذٍ إنْ طَالَ مُكْثُهُ قُضِيَ) مِثْلُ مَا مَكَثَ فِي نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا (وَإِلَّا فَلَا) يَقْضِي وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ يَقْضِي إنْ طَالَ الْمُكْثُ وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يَعْصِي، وَقَدَّرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الطَّوِيلَ بِثُلُثِ اللَّيْلِ وَالصَّحِيحُ لَا تَقْدِيرَ.

(وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ) ، كَأَخْذِ مَتَاعٍ وَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ) ، فَإِنْ طَوَّلَهُ فَإِنَّ فِي الْمُهَذَّبِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ) كَمَا ذُكِرَ وَالثَّانِي يَقْضِي كَمَا فِي اللَّيْلِ (وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ) . وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ أَمَّا الْوَطْءُ فَيَحْرُمُ جَزْمًا،

ـــــــــــــــــــــــــــــSتَكُنْ هِيَ فِيهِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفِينَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ لِلْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ) مَا لَمْ يَكُنْ إيذَاءً أَوْ نَظَرَ عَوْرَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ. قَوْلُهُ: (ضَرَّتَيْنِ) خَرَجَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فَالْعِبْرَةُ بِرِضَا الزَّوْجَةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى) عِبَارَةُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِعِلْمِ الْأُخْرَى فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْمَرَافِقِ) مِنْهَا السَّطْحُ لَا الْمُعَلَّقُ وَالدِّهْلِيزُ. قَوْلُهُ: (مَسْكَنٌ) أَيْ حَيْثُ لَاقَ بِهَا.

قَوْلُهُ: (لَيْلَةٍ) وَأَوَّلُهَا الْغُرُوبُ وَآخِرُهَا الْفَجْرُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي آخَرِ اللَّيْلَةِ وَأَوَّلِهَا بِالْغَالِبِ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْحِرَفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَهَا) وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ اللَّيْلَ أَوَّلُ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامُ وَالتَّوَارِيخُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: {مُبْصِرًا} [يونس: 67] أَسْنَدَ الْإِبْصَارَ إلَيْهِ مَجَازًا لِأَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلْإِبْصَارِ بِذَاتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لِتُبْصِرُوا فِيهِ بِخِلَافِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] وَفِي نُسْخَةٍ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّهَا التِّلَاوَةُ. قَوْلُهُ: (فَعَكْسُهُ) فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا تَارَةً وَنَهَارًا تَارَةً أَوْ عَمِلَ بَعْضَ اللَّيْلِ وَبَعْضَ النَّهَارِ فَالْأَصْلُ فِي حَقِّهِ وَقْتُ عَدَم الْعَمَلِ. نَعَمْ إنْ قَلَّ عَمَلُهُ فِي اللَّيْلِ كَلَيْلَةٍ فِي جُمُعَةٍ لَمْ يَخْرُجْ اللَّيْلُ عَنْ كَوْنِهِ أَصْلًا فِي حَقِّهِ قَالَ شَيْخُنَا وَالْأَصْلُ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ وَقْتُ إفَاقَتِهِ إنْ كَانَتْ.

قَوْلُهُ: (وَقْتَ النُّزُولِ) بَلْ وَقْتَ خَلْوَتِهِ وَلَوْ حَالَ السَّيْرِ وَلَا نَظَرَ لِتَفَاوُتِ الزَّمَنِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ أَقَامَ قَدْرًا يَسَعُ الْقَسْمَ كَيَوْمَيْنِ وَمَعَهُ زَوْجَتَانِ فَكَالْحَضَرِ.

قَوْلُهُ: (دُخُولٌ) وَلَا خُرُوجَ لِنَحْوِ جَمَاعَةٍ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (كَمَرَضِهَا) وَطَلْقِهَا وَنَحْوِ حَرِيقٍ وَنَهْبٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَنًّا) أَوْ احْتِمَالًا. قَوْلُهُ: (مِثْلَ مَا مَكَثَ) أَيْ قَدْرَهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَآخِرِ اللَّيْلِ عَنْ أَوَّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا، أَوْ لَا مِنْ نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ بِالْأَوَّلِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى) وَمِنْهُ مَا لَوْ أَطَالَ دُخُولَهُ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، فَالْمُرَادُ بِالتَّعَدِّي مَا لَيْسَ لِلضَّرُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يَعْصِي) أَيْ فِي الدُّخُولِ تَعَدِّيًا سَوَاءٌ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ وَعَلَيْهِ فَالْأُولَى بِالْأُولَى. قَوْلُهُ: (لَا تَقْدِيرَ) فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ فِي قَدْرِ زَمَنِ الضَّرُورَةِ أَوْ الْحَاجَةِ طَالَ أَوْ قَصُرَ.

قَوْلُهُ: (لِوَضْعِ مَتَاعٍ إلَخْ) هُوَ الْحَاجَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي) قَالَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا يُنْدَبُ فَفِعْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ يَجِبُ وَهُوَ الْوَجْهُ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ: (يَجِبُ الْقَضَاءُ) أَيْ لِمَا طَوَّلَهُ لَمَّا طَالَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ الَّذِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّحِيحُ إلَخْ، فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِعَدَمِ ذِكْرِهِ صَرِيحًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) أَيْ بِقَدْرِهَا وَإِنْ طَالَ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ لَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْجَوَازَ فِي التَّابِعِ، وَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ يَمْتَنِعُ الِاسْتِمْتَاعُ كَالْوَطْءِ وَبِهِ قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَالْخَطِيبُ وَخَالَفَهُمَا الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَهُوَ الْوَجْهُ وَمَا وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: {النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] نَظْمُ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ عَمَّ {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] .

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ظَنًّا) بَلْ لَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الدُّخُولَ لِيَتَبَيَّنَ حَالَ الْمَرَضِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (قُضِيَ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَظْلُومِ بِسَبَبِهَا، وَإِنْ انْفَرَدَتْ الزَّوْجَةُ إذْ مَعْنَى الْقَضَاءِ حِينَئِذٍ وُجُوبُ الْمَبِيتِ وَهَذَا وَجْهٌ وَالصَّحِيحُ فَوَاتُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَةَ ثُمَّ عَادَتْ بَعْدَ طَلَاقِ الْمَظْلُومِ بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاءَ سَوَاءٌ أَنْكَحَ غَيْرَهَا أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ) هُوَ يُفِيدُك أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ وَحِينَئِذٍ رَاجِعٌ لِحَالَةِ الضَّرُورَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ يَقْضِي إنْ طَالَ الْمُكْثُ وَعَلَى قَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا

قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عِبَارَتُهُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الطُّولَ خِلَافُ الْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (كَمَا فِي اللَّيْلِ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الطُّولِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللَّيْلِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ أَيْ صَرِيحًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015