[كتاب الصداق]

كِتَابُ الصَّدَاقِ هُوَ الْمَهْرُ، وَيُقَالُ فِيهِ صَدَقَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَغَيْرُهُ (يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْلُ نِكَاحٌ مِنْهُ (وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ) إجْمَاعًا. .

(وَمَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا) ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَإِنْ انْتَهَى فِي الْقِلَّةِ لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــSفُرُوعٌ: قَالَ لِأَمَتِهِ أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَنْكِحِي زَيْدًا أَوْ تَنْكِحِينِي فَقَبِلَتْ فَوْرًا، أَوْ قَالَتْ لَهُ أَعْتِقْنِي عَلَى أَنْ أَنْكِحَك فَأَعْتَقَهَا فَوْرًا عَتَقَتْ وَلَزِمَهَا قِيمَتُهَا، وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِالنِّكَاحِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أَنْكِحَك، أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى أَنْ أَنْكِحَك ابْنَتِي فَأَعْتَقَهُ عَتَقَ وَلَزِمَ الْقَائِلَ الْقِيمَةُ لَا الْوَفَاءُ بِالنِّكَاحِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَتْ لِعَبْدِهَا أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَنِي عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَا قِيمَةَ وَلَا نِكَاحَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ أَنْكِحَك بَعْدَ عِتْقِك فَأَنْت حُرَّةٌ فَلَا عِتْقَ وَلَا نِكَاحَ لِلدُّورِ، وَلَوْ جَعَلَ عِتْقَ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ صَدَاقًا لَهَا عَتَقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا قِيمَةٌ وَلَا وَفَاءٌ بِالنِّكَاحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .

كِتَابُ الصَّدَاقِ مِنْ الصِّدْقِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى صِدْقِ رَغْبَةِ بَاذِلِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا عِوَضٌ، وَقِيلَ تَكْرِمَةٌ لِلزَّوْجِ وَالْمُخَاطَبُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأَزْوَاجُ وَقِيلَ الْأَوْلِيَاءُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَسُمِّيَ نِحْلَةً أَيْ عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ مُبْتَدَأَةً لِأَنَّ اسْتِمْتَاعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِ الْآخَرِ بِهِ فَالْمَهْرُ لَيْسَ لَهُ مُقَابِلٌ، وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ مِنْ الْفِضَّةِ وَجَمْعُهُ أَصْدِقَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَصُدُقٌ بِضَمَّتَيْنِ فِي الْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (هُوَ الْمَهْرُ) وَقِيلَ الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَالْمَهْرُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (صَدُقَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ) أَيْ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ فِي ثَانِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالسُّكُونُ، وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ مَعَ ضَمِّ ثَانِيهِ أَوْ سُكُونِهِ فَهِيَ سِتُّ لُغَاتٍ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هَذَا لِأَجْلِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَذَكَرَ لَفْظَ الْمَهْرِ لِذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِيمَا سَيَأْتِي وَلَهُ أَسْمَاءٌ أُخْرَى، وَأَوْصَلَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَهُ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَنَظَمَهَا بِقَوْلِهِ:

صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ

وَطُولُ نِكَاحٍ ثُمَّ خَرْسٌ تَمَامُهَا ... فَفَرْدٌ وَعُشْرٌ عَدُّ ذَاكَ مُوَافِقٌ

وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَطِيَّةً أَيْضًا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ أَيْضًا فَجُمْلَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ اسْمًا وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي:

أَسْمَاءُ مَهْرٍ مَعَ ثَلَاثٍ عَشَرُ ... مَهْرٌ صَدَاقٌ طُولُ خَرْسٍ أَجْرُ

عَطِيَّةٌ حِبًّا عَلَائِقُ نِحْلَةٌ ... فَرِيضَةُ نِكَاحٍ صَدُقَةٌ عُقْرُ

وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مَا وَجَبَ بِعَقْدٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَإِرْضَاعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ فَلَا يَجِبُ بِاسْتِدْخَالِ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي الْقُبُلِ وَلَا نَحْوِ خَلْوَةٍ، وَلَا فِي نَحْوِ رَتْقَاءَ كَمَا يَأْتِي

وَمُقْتَضَى مَا ذُكِرَ أَنَّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا يُوجِبُ الْمَهْرَ وَلَعَلَّهُ يُفَارِقُ الذَّكَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْوَطْءِ كَالْبَهِيمَةِ أَوْ يُخَصُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ لِكَوْنِهِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْعَقْدِ فِيهَا فَرَاجِعْهُ.

فَرْعٌ:

يُسَنُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِالزَّوْجَةِ حَتَّى يَدْفَعَ لَهَا شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَهْرِ الْحَالِّ وَيُحْتَمَلُ شُمُولُهُ أَيْضًا لِلْمُؤَجَّلِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّعْجِيلِ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ وَقِيلَ عَطْفٌ عَلَى صَدَقَةٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى بَقِيَّةِ أَسْمَائِهِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ) فِي غَيْرِ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ بِعَبْدِهِ كَمَا مَرَّ. وَقَدْ يَجِبُ لِمَصْلَحَةٍ كَرَشِيدَةٍ رَضِيَتْ لِمَحْجُورٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ رَشِيدٍ رَضِيَ لِمَحْجُورَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ يَحْرُمُ ذِكْرُهُ كَوَلِيِّ مَجْنُونٍ مُحْتَاجٍ إلَى النِّكَاحِ، وَلَمْ يَجِدْ وَلِيُّهُ إلَّا مَنْ تَطْلُبُ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَسُكُوتُ الْوَلِيِّ عَنْهُ يَلْزَمُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ ذَكَرَهُ لَغَا كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (إجْمَاعًا) فَهُوَ صَارِفٌ لِلْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الْمَحْمُولِ عَلَى عَقْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ عَقْدِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا.

قَوْلُهُ: (وَمَا صَحَّ مَبِيعًا) الْأَوْلَى ثَمَنًا. لِأَنَّ الزَّوْجَ مُشْتَرٍ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَاحَظَ أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْمَبِيعِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّدَاقِ]

ِ هَلْ الصَّدَاقُ عِوَضٌ أَوْ تَكْرِمَةٌ وَفَضِيلَةٌ لِلزَّوْجِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمَرْعَشِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْفِضَّةِ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُهُ: (إخْلَاؤُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ إجْمَاعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَكُنْ رُكْنًا، كَالْمَبِيعِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ النِّكَاحِ الِاسْتِمْتَاعُ وَتَوَابِعُهُ وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالزَّوْجَيْنِ فَهُمَا الرُّكْنُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015