حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ قَطْعًا (فَعَلَى الصَّحِيحِ) وَهُوَ صِحَّةُ نِكَاحِهِمْ (لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ) لَهُ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ) بِخِلَافِهِ عَلَى الْفَسَادِ فَتَحِلُّ بِلَا مُحَلِّلٍ (وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا) لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا، وَمَا انْفَصَلَ حَالَ الْكُفْرِ لَا يَتَتَبَّعُ، وَمِنْهُمْ قَوْلًا بِأَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْمَهْرِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْرِ الْمُسَمَّى فِي الْإِسْلَامِ مُمْتَنِعَةٌ فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى قَوْلًا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْخَمْرِ، وَتَعَذَّرَ قَبْضُهَا لَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَسَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْمَهْرِ (وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) وَلَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْبَاقِي مِنْهُ وَيَأْتِي قَوْلٌ بِأَنَّ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، (وَمَنْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ) ، بِأَنْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ الْعَكْسِ، (فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صَحَّحَ نِكَاحَهُمْ وَإِلَّا) ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَحَّحْ نِكَاحُهُمْ أَيْ أُفْسِدَ. (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ (أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَصُحِّحَ) نِكَاحُهُمْ (فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ مِنْ جِهَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ بِالْإِسْلَامِ، فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُوَافِقَهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ انْتَسَبَ الْفِرَاقُ إلَى تَخَلُّفِهِ، (أَوْ بِإِسْلَامِهِ فَنِصْفُ مُسَمًّى إنْ كَانَ صَحِيحًا) لَهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسَمَّى صَحِيحًا (فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ) لَهَا فَإِنْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرٌ وَجَبَتْ مُتْعَةٌ وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ نِكَاحَهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَجِبُ فِيهِ قَبْلَ الدُّخُولِ شَيْءٌ
(وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ وَجَبَ) عَلَيْنَا (الْحُكْمُ) بَيْنَهُمَا جَزْمًا (أَوْ ذِمِّيَّانِ) كَيَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ (وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْمُعَاهَدِينَ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وَيُقَاسُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَكِنْ لَا نَتْرُكُهُمْ عَلَى النِّزَاعِ بَلْ نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أَوْ نَرُدُّهُمْ إلَى حُكْمِ مِلَّتِهِمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (حَكَمْنَا إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ يُقَالُ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ رَدُّ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا) وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ طَلَاقًا قَوْلُهُ: (لَمْ تَحِلَّ لَهُ) وَلَوْ بِالْوَطْءِ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْفَاسِدُ) أَيْ وَلَيْسَ مُسْلِمًا وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا كَافِرًا مَعْصُومًا وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ مُطْلَقًا كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةٍ.
فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ لَهُ عَلَى كَافِرٍ دَيْنٌ أَنْ يَحْتَالَ بِهِ عَلَى ثَمَنِ نَحْوَ خَمْرٍ بَاعَهُ، لِنَحْوِ كَافِرٍ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْإِسْلَامِ) وَلَوْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَبَضَهُ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَعَدَمِهِ، وَدَخَلَ فِي قَبْضِهَا قَبْضُ وَلِيِّهَا وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ. قَوْلُهُ: (قَسَّطَ مَا بَقِيَ) وَالتَّقْسِيطُ يُعْتَبَرُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ مِثْلِيًّا مَعَ مُتَقَوِّمٍ، أَوْ مِثْلِيًّا اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ، وَلَوْ بِسَبَبِ وَصْفٍ كَخَمْرِ عِنَبٍ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ خَمْرِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَالتَّقْسِيطُ يُعْتَبَرُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُ كَبَوْلٍ وَخَمْرٍ، وَقَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَفَارَقَ مَا هُنَا مَا لَوْ قَبَضَ مِنْ مُكَاتَبِهِ بَعْضَ مَا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَاسِدِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ ذَلِكَ الْفَاسِدِ مَعَ تَمَامِ الْقِيمَةِ، بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهَا وَفِيهَا نَوْعُ تَعْلِيقٍ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حَرْبِيَّةً وَمَنَعَهَا زَوْجُهَا مِنْ صَدَاقِهَا وَلَوْ صَحِيحًا أَوْ دَيْنًا قَاصِدًا تَمَلُّكَهُ، وَالْغَلَبَةُ عَلَيْهَا فِيهِ سَقَطَ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِنْ وَطِئَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً، وَاعْتِقَادُهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ انْدَفَعَتْ) وَلَوْ بِمَحْرَمِيَّةٍ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَصْوِيرٌ، لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِإِسْلَامٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ وَفِي الْفَاسِدِ مَا مَرَّ فِي الْمُقَرَّرَةِ وَفِي الْمُفَوَّضَةِ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (فَلَا شَيْءَ لَهَا) اُنْظُرْ مَا لَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ عَلَى قَوْلَيْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ بِهِ طَرِيقُ الْقَطْعِ، أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَرَافَعَ) أَيْ طَلَبَ مِنَّا الْحُكْمَ، وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ غَيْرُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُ الطَّالِبِينَ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا وَجَبَ الْحُكْمُ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَمَتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ قَطْعًا) أَيْ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُهُمْ فِيهِ الْفَسَادَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ عَلَى الْفَسَادِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ فَقَدْ أَطَالَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا الْمُسَمَّى) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّفْرِيعِ بَلْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَمَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ لِلنِّكَاحِ تَثْبُتُ لِلْمُسَمَّى، قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ التَّصْحِيحِ أَوْ الْوَقْفِ وَأَمَّا عَلَى الْفَسَادِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ قَدْ يَسْقُطُ بِهِ الْمُسَمَّى إلَّا فِي عَقْدِ الْإِمَامِ لِلْكُفَّارِ سُكْنَى الْحِجَازِ انْتَهَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ ثَمَنَ الْخَمْرِ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ دَفَعَ لِلْمُسْلِمِ مِنْ ذَلِكَ فِي دَيْنِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ لَا يُجْبَرُ بَلْ لَا يَجُوزُ قَبُولُهُ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ انْتَهَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ بِإِسْلَامِهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَصَحَّحَ انْتَهَى وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَصَحَّحَ.
قَوْلُهُ: (كَيَهُودِيَّيْنِ إلَخْ) احْتَرَزَ عَنْ الْيَهُودِيِّ مَعَ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كَلَامِ