يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ، (وَعِفَّةٍ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ) ، وَإِنَّمَا يُكَافِئُهَا عَفِيفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِالصَّلَاحِ شُهْرَتَهَا، وَالْمُبْتَدِعُ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسُّنِّيَّةِ، (وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ، وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالَمٍ وَقَاضٍ) نُظِرَ الْمُعَرِّفُ فِي ذَلِكَ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ. وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا تَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ، وَبِعَدَمِ إنْفَاقِهِ عَلَى الْوَلَدِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ يُعْتَبَرُ الْيَسَارُ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَيَكُونُ بِهِمَا كُفُؤًا لِصَاحِبَةِ الْأُلُوفِ وَالْأَصَحُّ، أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ أَصْنَافٌ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ، وَكُلُّ صِنْفٍ أَكِفَّاءُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَاتِبُ وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا الْجَمَالُ نَعَمْ يُعْتَبَرُ إسْلَامُ الْآبَاءِ، وَكَثْرَتُهُمْ فِيهِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا، لِمَنْ لَهَا أَبَوَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ إنَّهُ كُفُؤٌ لَهَا وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا عَشَرَةُ آبَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: إنَّهُ كُفُؤٌ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ الثَّالِثَ لَا يُذْكَرُ فِي التَّعْرِيفِ فَلَا يَلْحَقُ الْعَارُ بِسَبَبِهِ
(وَ) الْأَصَحُّ (وَإِنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ) فَلَا يُزَوَّجُ سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ، وَلَا عَرَبِيَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَجَمِيٍّ عَفِيفٍ، وَلَا عَفِيفَةٌ رَقِيقَةٌ بِفَاسِقٍ حُرٍّ، لِمَا بِالزَّوْجِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ النَّقْصِ الْمَانِعِ مِنْ الْكَفَاءَةِ، وَلَا يَنْجَبِرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضِيلَةِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ دَنَاءَةَ نَسَبِهِ تَنْجَبِرُ بِعِفَّتِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَنَّ الْأَمَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُقَابِلُهَا الْحُرُّ الْعَجَمِيُّ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالتَّنَقِّي مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يُعَارِضُهُ الصَّلَاحُ وِفَاقًا وَالْيَسَارُ إنْ اُعْتُبِرَ يُعَارِضُ بِكُلِّ خَصْلَةٍ غَيْرَهُ، (وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الزِّنَا الْمُشْتَرَطِ فِي جَوَازِ نِكَاحِهَا. (وَكَذَا مَعِيبُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ فَلَا يَصِحُّ وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ فِي تَزْوِيجِهِ الرَّتْقَاءَ أَوْ الْقَرْنَاءَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ مَالٍ فِي بُضْعٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، (وَيَجُوزُ مَنْ تُكَافِئُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSثِيَابُ الْبَيْتِ وَلَيْسَ مُلَازِمًا لِحَانُوتٍ. قَوْلُهُ: (بِنْتُ عَالِمٍ) أَيْ مَنْ فِي أَحَدِ أُصُولِهَا عَالِمٌ كَمَا مَرَّ، وَتُعْتَبَرُ تِلْكَ الْحِرَفُ فِي الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ فِي بَعْضِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
تَنْبِيهٌ: لَا أَثَرَ لِلْعِلْمِ مَعَ الْفِسْقِ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَيْهِ عَارٌ وَتَضْمَحِلُّ مَعَهُ سَائِرُ الْفَضَائِلِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْحِرَفِ. قَوْلُهُ: (وَقَاضٍ) فَهُوَ مِنْ الْحِرَفِ الشَّرِيفَةِ كَالْعِلْمِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا الَّذِينَ تَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقَضَاءَ أَرْفَعُ الْحِرَفِ، كُلِّهَا فَيُكَافِئَانِ سَائِرَ الْحِرَفِ، فَلَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهَا إلَى قَاضٍ لِيُزَوِّجَهَا لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا مِنْ ابْنِ عَالِمٍ أَوْ قَاضٍ دُونَ غَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ شَرَفِهَا بِالنَّسَبِ إلَى أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (غَادٍ) هُوَ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى ذَاهِبٍ وَرَائِحٍ عَكْسُهُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ أَيْ أَتَى إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (الْمُرُوءَاتِ) جَمْعُ مُرُوءَةٍ وَهِيَ صِفَةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنْ ارْتِكَابِ الْخِصَالِ الرَّذِيلَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَصَائِرُ) جَمْعُ بَصِيرَةٍ وَهِيَ النَّظَرُ بِالْقَلْبِ فِي الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ الْبَصَرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَبَرُ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (الْجَمَالُ) وَلَا عَكْسُهُ كَتَشَوُّهِ الصُّورَةِ، وَلَا الْعَمَى وَلَا الْعَرَجِ وَلَا قَطْعِ نَحْوِ طَرْفٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ نَعَمْ السَّفِيهُ لَا يُكَافِئُ رَشِيدَةً، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُعْتَبَرُ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ إسْلَامُ الْآبَاءِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْأُمَّهَاتِ وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَشْرَفُ مِمَّنْ أَسْلَمَ تَبَعًا. قَوْلُهُ: (لَهَا أَبَوَانِ) وَكَذَا أَبٌ وَاحِدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يُكَافِئُ بِنْتَ تَابِعِيٍّ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ لِمَرْتَبَةِ الصَّحَابِيِّ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ سُخَفَاءِ الْعُقُولِ. قَوْلُهُ: (لَا يُقَابِلُ بِبَعْضٍ) سَوَاءٌ فِي الشَّخْصِ وَأُصُولِهِ فَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ نَقْصٌ عَمَّنْ يُقَابِلُهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ مُقَابِلِهِ أَكْمَلَ فَلَيْسَ عَالِمٌ ابْنُ جَاهِلٍ كُفُؤًا لِجَاهِلَةٍ بِنْتِ عَالِمٍ، وَلَا عَكْسُهُ وَهَكَذَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّ الْأَمَةَ إلَخْ) هُوَ مِنْ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ كَمَا يُفِيدُهُ الْعَطْفُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْإِمَامِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّزْوِيجِ بِالْوِلَايَةِ، كَمَا لَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهَا فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ، وَمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (يُعَارِضُهُ) أَيْ يُقَابِلُهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَعِيبَةٌ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَعِيبَةٍ بِعُيُوبِ النِّكَاحِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا كَعَجُوزِ وَعَمْيَاءَ، وَمَقْطُوعَةِ الطَّرْفِ وَهَرِمَةٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ، بِهَؤُلَاءِ إنْ حَرُمَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْجُمْهُورُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ) رَاجِعٌ لِتَزْوِيجِ ابْنِهِ بِالْمَعِيبَةِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَالْأَوْلَى رُجُوعُهُ لِتَزْوِيجِهِ بِالْأَمَةِ أَيْضًا لِئَلَّا يَلْزَمَ سُكُوتُهُ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الطُّرُقَ فِي الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ فَقَطْ فَفِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَذْهَبِ تَغْلِيبٌ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي الصَّغِيرِ يَجْرِي فِي الْمَجْنُونِ إلَّا أَنْ يَجُوزَ بِالْأَمَةِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ، كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ عَلَى الْأَثَرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ) . قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ تَزَوُّجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنْ كَانَ فِي الْمَالِ قَلَّ، فَإِنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ وَأَمْرٌ حَائِلٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا يُقَابِلُ بِبَعْضِ) أَيْ كَمَا فِي الْقِصَاصِ. قَوْلُهُ: (وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ إلَخْ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْمَتْنِ مِنْ عُمُومِ الْخِلَافِ لِصُوَرِ التَّقَابُلِ لَيْسَ مُرَادًا، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ الْأَمَةَ الْعَرَبِيَّةَ يُقَابِلُهَا الْحُرُّ الْعَجَمِيُّ، أَيْ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ خِلَافَ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْآتِي: وَلَهُ تَزْوِيجُهَا يَعْنِي الْأَمَةَ مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ لَهَا، وَقَدْ يُعْتَذَرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ لِيَجْتَنِبَ ذَلِكَ غَيْرُ السَّيِّدِ كَوَكِيلِهِ فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَوْجٍ، وَكَمَا فِي تَزْوِيجِ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَمَتَهَا.