وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى عِنْدِ قَاضٍ، وَإِنْكَارٍ وَاسْتِشْهَادٍ (وَتُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ) بَيْنَ النَّاسِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهَا (وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ) فِي الْغَارِمِ (وَالسَّيِّدِ) فِي الْمُكَاتَبِ يُغْنِي عَنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْحَالِ، وَالثَّانِي: لَا يُغْنِي لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ
(وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، (كِفَايَةَ سَنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، فَتَحْصُلُ بِهَا الْكِفَايَةُ سَنَةً (قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ) يُعْطَى (كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبُ، فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ) وَيَسْتَغْنِي عَنْ الزَّكَاةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَمَنْ يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَاتِهَا قَلَّتْ قِيمَتُهَا، أَوْ كَثُرَتْ أَوْ بِتِجَارَةٍ يُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ، مِمَّا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ مَا يَفِي رِبْحَهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا، فَالْبَقْلِيُّ يَكْتَفِي بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ والْباقِلَّائِيُّ بِعَشَرَةٍ وَالْفَاكِهِيُّ بِعِشْرِينَ، وَالْخَبَّازُ بِخَمْسِينَ، وَالْبَقَّالُ بِمِائَةٍ وَالْعَطَّارُ بِأَلْفٍ، وَالْبَزَّازُ بِأَلْفَيْنِ، وَالصَّيْرَفِيُّ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ
(وَ) يُعْطَى (الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَدْرَ دَيْنِهِ) ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِهِ أُعْطِيَ الْبَاقِيَ، (وَ) يُعْطَى (ابْنُ السَّبِيلِ مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ، (أَوْ مَوْضِعَ مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ مَالٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى كِسْوَةٍ أُعْطِيَهَا (وَ) يُعْطَى (الْغَازِي قَدْرَ حَاجَتِهِ لِنَفَقَةٍ، وَكِسْوَةٍ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ) أَيْ فِي الثَّغْرِ (وَفَرَسًا) إنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا (وَسِلَاحًا) وَعِبَارَةُ الْمُحَرِّرِ وَيَشْتَرِي لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا أَخَذَهُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَخَذْت الدَّيْنَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ شَرَفٌ فِي قَوْمِهِ يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ، وَمِثْلُهُ الصِّنْفَانِ الْآخَرَانِ، وَهُمَا مَانِعُ شَرِّ الْكُفَّارِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ فَيُطَالَبَانِ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا، وَهَذَا إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ ضَعِيفُ النِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْ بِلَا يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ. قَوْلُهُ: (إخْبَارُ عَدْلَيْنِ) وَكَذَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ عَدْلٌ وَاحِدٌ أَوْ فَاسِقٌ ظَنَّ صِدْقَهُ أَوْ جَمْعٌ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَوْ ثَلَاثَةً. قَوْلُهُ: (وَتُغْنِي عَنْهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرُهُ فِي جَمِيعِ هَذَا الْفَصْلِ أَخْذًا مِنْ تَعْمِيمِهِ السَّابِقِ، وَفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ. قَوْلُهُ: (تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ السَّيِّدِ) أَيْ إنْ ظَنَّ صِدْقَهُ، وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَيُعْطَى إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَمِيعُ مَا مَرَّ فِي صِفَةِ مَنْ يَأْخُذُ وَمِنْ هُنَا فِي قَدْرِ مَا يَأْخُذُ قَوْلُهُ: (أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا) قُدِّرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ إفْرَادِ الضَّمَائِرِ الْآتِيَةِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلِإِخْرَاجِ مَنْ سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (قُلْت الْأَصَحُّ إلَخْ) لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُحَرِّرِ ذِكْرُ خِلَافٍ يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مُقَابِلَهُ مَعَ احْتِمَالِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِكَوْنِ الْخِلَافِ نَصًّا أَوْ أَوْجُهًا أَوْ أَقْوَالًا أَوْ طُرُقًا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْعُمُرِ الْغَالِبُ) وَهُوَ سِتُّونَ سَنَةً وَبَعْدَهُ يُعْطَى سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ. قَوْلُهُ: (فَيَشْتَرِي بِهِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ النَّقْدِ مَا يَكْفِيهِ لِمَا ذُكِرَ بَلْ مِقْدَارًا يَكُونُ ثَمَنًا لِعَقَارٍ تَفِي غَلَّتُهُ بِذَلِكَ، أَوْ بِمَا يَتِمُّ بِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِهِ وَيَشْتَرِيهِ لَهُ الْمَالِكُ لَكِنْ بَعْدَ قَبْضِهِ، أَوْ الْإِمَامُ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ يَلْزَمُهُ بِالشِّرَاءِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَيَمْلِكُ مَا يَشْتَرِي لَهُ وَيُورَثُ عَنْهُ، نَعَمْ يَمْتَنِعُ الشِّرَاءُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُعْطَى لَهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يُعْطَى لَهُ لَا يَفِي بِقِيمَتِهَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الشِّرَاءِ. قَوْلُهُ: (مَا يَشْتَرِي) مَفْعُولُ يُعْطَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (مَا يَفِي رِبْحُهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا) أَيْ بِحَسَبِ عَادَةِ بَلَدِهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمِنَةِ فَيُرَاعِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْجُهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ فِي زَمَانِهِمْ، وَمَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِرْفَةٍ يُعْطَى لِمَا يَكْفِيهِ مِنْهَا، فَإِنْ كَفَاهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ حِرَفٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أُعْطِيَ لِأَدْنَاهَا، وَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ وَاحِدَةٌ زِيدَ لَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ. كَذَا قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَالْبَقْلِيُّ) بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ مَنْ يَبِيعُ الْبُقُولَ وَهِيَ الْخَضْرَاوَاتُ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِلَّانِيّ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَوْ تَشْدِيدِهَا عَلَى مَا مَرَّ هُوَ مَنْ يَبِيعُ الْبَاقِلَا، وَهُوَ الْفُولُ، وَلَوْ. مَسْلُوقَةً. قَوْلُهُ: (وَالْبَقَّالُ) هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ الثَّقِيلَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْفَامِيُّ بِالْفَاءِ، وَهُوَ مَنْ يَبِيعُ الْحُبُوبَ قِيلَ، أَوْ الزَّيْتَ وَمَنْ جَعَلَهُ بِالنُّونِ فَقَدْ صَحَّفَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى النَّقْلِيَّ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْقَافِ، وَهُوَ مَنْ يَبِيعُ نَحْوَ اللَّوْزِ وَالْجَوْزِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَزَّازُ) بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ بَائِعُ الْبَزِّ أَيْ الْأَقْمِشَةِ، وَأَصْلُ الْبَزِّ اسْمٌ لِمَتَاعِ الْبَيْتِ.
قَوْلُهُ: (وَالْغَارِمُ) أَيْ لِغَيْرِ إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْطَى مَعَ الْغِنَى. قَوْلُهُ: (مَا يُوَصِّلُهُ إلَخْ) فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أُعْطِيَ مُدَّةَ إيَابِهِ أَيْضًا، وَكَذَا مُدَّةَ إقَامَةٍ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ، وَلَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَوْ رَجَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى إذَا حَانَ وَقْتُ الْخُرُوجِ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْغَازِي وَمِثْلُهُ ابْنُ السَّبِيلِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ) لَوْ قَالَ: فَلَا يَحْتَاجُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْأَخْبَارِ. قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ) هُوَ فِي مَسْأَلَةِ رَبِّ الدَّيْنِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَظْهَرُ حَالُهُ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ بِسَبَبِ الْعِتْقِ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ بِقَبُولِ السَّيِّدِ دُونَ رَبِّ الدَّيْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا فِي الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَمِنْ هُنَا إلَخْ. فِي كَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ وَقَدْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّكَاةَ إلَخْ) عَضَّدَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ كِفَايَةَ سَنَةٍ» . قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَيَشْتَرِي بِهِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لَهُ مَا يَكْفِيهِ عُمُرَهُ دَفْعَةً، وَإِنَّمَا الدَّفْعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ الْكَافِي لَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا لَا يُعْطِي شَيْئًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَمِنَ أَهْلَ الضِّيَاعِ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ مِنْ نَصْبِ عَامِلٍ يَتَّجِرُ لَهُ وَيُعْطِي وَلَا يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ الْعَقَارِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا) قَدْرُ ذَلِكَ لِأَجْلِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ الْآتِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَدْرَ حَاجَتِهِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَسَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَإِعْطَاؤُهَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ جَزَمَ الْفَارِقِيُّ وَقَوْلُهُ: وَمُقِيمًا أَيْ وَيَجْتَهِدُ الْمُعْطِي فِي قَدْرِ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنْ زَادَتْ زَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُ