بِهِ الدَّيْنَ (وَسَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ) بِأَنْ نَشِطُوا لِلْجِهَادِ، وَلَمْ يَتَجَرَّدُوا لَهُ (فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى) بِخِلَافِ مَنْ تَجَرَّدُوا لَهُ، وَهُمْ الْمُرْتَزِقَةُ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الْفَيْءِ، فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ (وَابْنُ السَّبِيلِ مُنْشِئُ سَفَرٍ) مِنْ بَلَدِهِ أَوْ بَلَدٍ كَانَ مُقِيمًا بِهِ (أَوْ مُجْتَازٌ) بِبَلَدٍ فِي سَفَرِهِ (وَشَرْطُهُ الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) بِسَفَرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي سَفَرِهِ، أَوْ كَانَ سَفَرُهُ مَعْصِيَةً، لَمْ يُعْطَ فَيُعْطَى فِي الطَّاعَةِ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ، وَالزِّيَارَةِ وَفِي الْمُبَاحِ كَالسَّفَرِ لِطَلَبِ الْآبِقِ، وَالنُّزْهَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُعْطَى
(وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ) ، فَلَا تُعْطَى لِكَافِرٍ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» ، (وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا، وَلَا مُطَّلِبِيًّا) ، فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا، وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ» ، أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ (وَكَذَا مَوْلَاهُمْ) أَيْ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي قَالَ الْمَنْعُ فِيهِمْ لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِخُمُسِ الْخُمُسِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا حَقَّ لِمَوْلَاهُمْ فِيهِ فَتَحِلُّ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَسَبِيلُ اللَّهِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ مُوَصِّلٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ (غُزَاةٌ) هُوَ خَبَرٌ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِحَذْفٍ مِنْ الْأَوَّلِ أَوَالثَّانِي أَيْ أَهْلُ سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ حَالُ غُزَاةٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَجَرَّدُوا لَهُ) أَيْ لَمْ يَرْتَزِقُوا مِنْ الْفَيْءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ) وَإِنْ تَعَذَّرَ الصَّرْفُ لَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ ابْنُ الطَّرِيقِ نُسِبَ إلَيْهَا بِالْوِلَادَةِ مُبَالَغَةً لِمُلَازَمَتِهِ لَهَا سُلُوكُهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (مُنْشِئُ سَفَرٍ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَوْلُهُ: (أَوْ مُجْتَازٌ) وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (مَعَهُ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ كَسُوبًا، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ فَلَا يُمْنَعَانِ مِنْ إعْطَائِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَفَارَقَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ لِمَنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ إذَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، بِأَنَّ السَّفَرَ أَشَقُّ، وَالْحَاجَةُ فِيهِ أَشَدُّ. قَوْلُهُ: (وَالنُّزْهَةِ) فَيُعْطَى وَإِنْ كَانَتْ حَامِلَةً عَلَى سَفَرِهِ، وَلَوْ تَابَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أُعْطِيَ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ، وَلَا يُعْطَى الْهَائِمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَيُعْطَى الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ، وَدَخَلَ فِي الطَّاعَةِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَسَكَتَ عَنْ الْمَكْرُوهِ، كَسَفَرِ التِّجَارَةِ فِي أَكْفَانِ الْمَوْتَى فَيُعْطَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ بَدَلَ الْمُبَاحِ أَوْ مَعَهُ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا زَكَاةً فَلَوْ كَانَ بِإِجَارَةٍ، وَلَوْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ جَازَتْ مِنْ كَافِرٍ وَهَاشِمِيٍّ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (الْإِسْلَامُ) وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ الْكَامِلَةُ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُعْطَى الْمُبَعَّضُ شَيْئًا كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ الْآخِذُ وَلَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا) أَيْ مُنْتَسِبًا إلَيْهِمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَخَرَجَ أَوْلَادُ بَنَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَوْلَاهُمْ) أَيْ عَتِيقُهُمْ، وَلَوْ أُنْثَى وَكَذَا أَوْلَادُهُ وَمَنْ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ أَيْضًا نَعَمْ يُتَّجَهُ إعْطَاءُ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ بِالْأُولَى.
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالزَّكَاةِ فِي شَرْطِ الْآخِذِ الْمَذْكُورِ كُلُّ وَاجِبٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ انْتَهَى، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ يُدْرَكُ بِمُرَاجَعَةِ مَوَاضِعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ) أَيْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ وَيَرِثُونَهُ فَخَرَجَ نَحْوُ ابْنِ الْأُخْتِ وَإِنْ وَرَدَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ لِعَدَمِ مَا ذُكِرَ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ لِلْأَعْمَى دَفْعَهَا وَقَبْضَهَا لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ. وَأَنَّهُ يَصِحُّ قَبْضُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَمَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَتِهَا، كَذَا قَالَ شَيْخُنَا كَغَيْرِهِ إنْ اعْتَمَدَهُ هُنَا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْهِبَةِ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَالْهَدِيَّةَ لَا تَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى، وَلَا لَهُ فَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّ مَا هُنَاكَ كَمَا هُنَا فَلْيُرَاجَعْ.
فَرْعٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي حَيَاتِهِ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ انْتَهَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ مُجْتَازٌ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَخَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ هُوَ الطَّرِيقُ، فَلَا يُضَافُ إلَّا لِمَنْ لَابَسَهُ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُهُ إلَّا لِمَجَازِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَغْلُوبٌ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ الْغَالِبَةِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ لَا يَحْنَثُ بِالنَّوْمِ عَلَى الْأَرْضِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إلَخْ) لَوْ كَانَ كَسُوبًا جَازَ الْإِعْطَاءُ وَفَارَقَ مَا سَلَفَ فِي الْفَقِيرِ لِضَرُورَةِ السَّفَرِ هُنَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا مُطَّلِبِيًّا) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دَفْعِهَا لِبَنِي الْمُطَّلِبِ إلَّا الشَّافِعِيَّ وَهُوَ مِنْهُمْ فَرْعٌ أَوْلَادُ بَنَاتِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ.