وَمِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ مَا يُقْبِلُ مِنْ الْأَنْفِ عَلَى الشَّفَةِ، وَعَطَفَ بِثُمَّ لِإِفَادَةِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ (وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ) أَيْ التُّرَابِ (مَنْبَتَ الشَّعَرِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (الْخَفِيفِ) لِعُسْرِهِ (وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ) وَالثَّانِي يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي النَّقْلِ كَالْمَسْحِ وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَسْحَ أَصْلٌ وَالنَّقْلَ وَسِيلَةٌ
(وَتُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ) كَالْوُضُوءِ (وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ، رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ» ، وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيثَ: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا كَفَى وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَسْحُ) أَيْ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ. قَوْلُهُ: (وَجْهِهِ) أَيْ جَمِيعِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا لَيْسَ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَاكْتَفَى أَبُو حَنِيفَةَ بِغَالِبِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ مِرْفَقَيْهِ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَإِنْ اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ، وَقِيلَ إنَّهُ قَوْلٌ قَدِيمٌ عِنْدَنَا. قَوْلُهُ: (مَا يُقْبِلُ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مُسْتَرْسِلُ اللِّحْيَةِ. قَوْلُهُ: (وُجُوبِ التَّرْتِيبِ) وَلَوْ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْبَدَنِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْوُضُوءِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِجَهْلٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ) لِمَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَلَا يُنْدَبُ أَيْضًا وَإِنَّ طُلِبَتْ إزَالَتُهُ وَلَا لِمَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا.
(فَرْعٌ) لَا يَكْفِي النَّقْلَ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ إنْ كَانَ بِغَيْرِ نَجَسٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ إذْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَا يَكْفِي الضَّرْبُ عَلَى عُضْوِ امْرَأَةٍ لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ بِلَمْسِهَا إنْ لَمَسَهَا فَإِنْ التُّرَابُ لَمَسَهَا صَحَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ) أَيْ ضَرْبِهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَدَمُ التَّرْتِيبِ فِي النَّقْلِ. قَوْلُهُ: (دَفْعَةً وَاحِدَةً) ذَكَرَهُ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ عَكْسُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا كَمَا لَوْ ضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ نَاوِيًا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِالْأُخْرَى نَاوِيًا يَدَيْهِ، وَلَهُ مَسْحُ وَجْهِهِ بِالثَّانِيَةِ وَيَدَيْهِ بِالْأُولَى.
قَوْلُهُ: (التَّسْمِيَةُ) وَلَوْ لِجُنُبٍ وَكَمَالُهَا لَهُ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ) بِمَعْنَى عَدَمِ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْهُمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَمْكَنَ إلَخْ) .
قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْغَايَةُ لَا تَسْتَقِيمُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهَا قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ لَا تَسْتَلْزِمُ الْوُقُوعَ، فَإِنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بِخِرْقَةٍ كَبِيرَةٍ وَمَسَحَ بِبَعْضِهَا وَجْهَهُ وَقَصَدَ مَسْحَ يَدَيْهِ بِبَاقِيهَا وَمَسَحَهُمَا بِهِ كَفَى، لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ النَّقْلُ، وَهَذَا نَقْلٌ آخَرُ انْتَهَى، وَهَذَا خَطَأٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْفِعْلَ الَّذِي تَقْتَرِنُ بِهِ النِّيَّةُ وَإِنْ كَثُرَ يُعَدُّ نَقْلَةً وَاحِدَةً وَالنِّيَّةُ الثَّانِيَةُ لَا تَلْغِي النِّيَّةَ الْأُولَى، فَالْبَعْضُ الَّذِي قَصَدَ بِهِ مَسْحَ الْيَدَيْنِ بَقِيَّةُ النَّقْلَةِ الْأُولَى لَا نَقْلَةٌ أُخْرَى، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ مَعًا وَمَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مَسْحَ الْيَدِ بِالْيَدِ الثَّانِيَةِ نَقْلَةٌ ثَانِيَةٌ مَعَ قَصْدِهَا كَمَا مَرَّ، بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ نَقْلَةً أُخْرَى، وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ اسْتِحَالَةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ بِالِاكْتِفَاءِ بِنَقْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ وَبِهِ يَتَّضِحُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَيَنْدَفِعُ مَا أَطَالُوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْإِشْكَالِ وَكَثْرَةِ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَاَللَّهُ وَلَيُّ النِّعْمَةِ وَالْإِفْضَالِ.
قَوْلُهُ: (ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ) هُوَ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَالْأَفْضَلِ فَلَوْ مَسَحَ بِضَرْبَةٍ وَجْهَهُ وَبَعْضَ يَدَيْهِ وَبِالْأُخْرَى مَا بَقِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِأَنَّ النَّفَلَ آكَدُ مِنْهَا) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ مُهِمَّاتِ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ حِلِّهِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ، وَمَنَعَهَا مَسَّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَوَطْءَ الزَّوْجِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَرْتِيبَ) هُوَ بِالْفَتْحِ لَا بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى إيصَالِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ نَفْيُ الْوُجُوبِ لَا السُّنَّةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ تَأَخُّرُ الضَّرْبَةِ الْمَاسِحَةِ لِلْيَدِ عَنْ الْمَاسِحَةِ لِلْوَجْهِ، لَا عَنْ مَسْحِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ الْيَمِينَ قَبْلَ الْيَسَارِ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَسَارِهِ وَجْهَهُ وَبِيَمِينِهِ يَسَارَهُ جَازَ أَيْضًا اهـ.
وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْأَخِيرَةِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ ضَرْبِهِ بِالْيَسَارِ أَوْ لَا؟ . قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَسَحَ وَجْهَهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَ رَاحَتَيْهِ بَعْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ تَأَدَّى فَرْضُهُمَا بِمُجَرَّدِ الضَّرْبِ وَمُمَاسَّةِ التُّرَابِ، وَقِيلَ لَا، وَإِلَّا لَمَا صَلُحَ الْغُبَارُ الَّذِي عَلَيْهِمَا الْمَسْحُ مَحَلٌّ آخَرُ مِنْ الْيَدَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ انْتِهَائِهَا يَمْسَحُ إحْدَى رَاحَتَيْهِ بِالْأُخْرَى مُسْتَحَبًّا، وَعَلَى الثَّانِي وَاجِبًا، ثُمَّ أَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا نَقْلَ التُّرَابِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْوُضُوءِ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ: الْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَلَا يُحْكَمُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بِالِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ مُنْفَصِلٌ بِخِلَافِ التُّرَابِ، وَأَيْضًا الْمُتَيَمِّمُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا، نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ)