الْمَنْعِ فِي الْمُخَيَّرَةِ بِسُهُولَةِ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ فَلْيُتَأَمَّلْ
(وَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ) عَنْهُ (وَدُعَاءٌ) لَهُ (مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَفِي وُسْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُثِيبَ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا.
فَصْلٌ: لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ نَقَضْت الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ رَجَعْت فِيهَا أَوْ فَسَخْتهَا أَوْ هَذَا لِوَارِثِي مُشِيرًا إلَى مَا وَصَّى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِوَارِثِهِ إلَّا إذَا انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الْمُوصَى لَهُ عَنْهُ (وَبِبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ) لِمَا وَصَّى بِهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ. (وَكَذَا هِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ) لَهُ (مَعَ قَبْضٍ وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ صَرْفِهِ بِذَلِكَ عَنْ جِهَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالثَّانِي يَعْتَلُّ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ (وَبِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ) فِيمَا وَصَّى بِهِ (وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ تَوَسُّلٌ إلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ، وَالثَّانِي يَقُولُ قَدْ لَا يَحْصُلُ بَيْعُهُ
(وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ) وَصَّى بِهَا (رُجُوعٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا عَنْ إمْكَانِ التَّسْلِيمِ.
(وَلَوْ وَصَّى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ، فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ زِيَادَةً لَمْ تَتَنَاوَلْهَا الْوَصِيَّةُ (أَوْ بِمِثْلِهَا فَلَا وَكَذَا بِأَرْدَأَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعْيِيبِ وَالثَّانِي يَقُولُ غَيَّرَهَا عَمَّا كَانَتْ كَالتَّغْيِيرِ بِالْأَجْوَدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ: (عَنْ الْوَصِيَّةِ) خَرَجَ التَّبَرُّعُ الْمُنْجَزُ، وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِقَوْلِهِ نُقِضَتْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِالرُّجُوعِ، وَلَا بَيِّنَتُهُ بِهِ إلَّا إذَا تَعَرَّضَتْ بِصُدُورِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا رَجَعَ عَنْ وَصَايَاهُ، وَهَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالْقَوْلِ وَسَيَذْكُرُ الرُّجُوعَ بِالْفِعْلِ بِقَوْلِهِ: وَخَلْطُ حِنْطَةٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ رَدَدْتهَا) أَوْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَوْ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (هَذَا لِوَارِثِي) بِخِلَافِ هَذَا تَرِكَتِي، وَلَوْ قَالَ هَذَا مِيرَاثٌ عَنِّي أَوْ لِقَرِيبِي أَوْ عَتِيقِي فَرُجُوعٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِشَخْصٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ مُنَاصَفَةً؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (وَبِبَيْعٍ) وَلَوْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ. قَوْلُهُ: (وَإِعْتَاقٍ) وَلَوْ مُعَلَّقًا وَاسْتِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَلَوْ فَاسِدَةً لَا وَطْءٍ وَنَظَرِ اسْتِمْتَاعِ وَاسْتِخْدَامٍ وَنَحْوِهَا. كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَتَزْوِيجِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ، وَالتَّعْلِيمِ وَالرُّكُوبِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ، أَوْ إذْنِهِ نَعَمْ. لَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَمَةٍ يَتَسَرَّى بِهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا كَانَ رُجُوعًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا دُونَهُ) أَيْ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَا هُمَا رُجُوعٌ لَوْ كَانَا فَاسِدَيْنِ، أَوْ بِلَا قَبُولٍ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (الثَّانِي يَعْتَلُّ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الرَّهْنَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَبِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ) لَوْ قَالَ بِمَا ذُكِرَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِشُمُولِهِ لِلْوَصِيَّةِ بِكَوْنِهِ لِوَارِثِهِ مَثَلًا.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ التَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَّى بِهِ فَلَوْ كَانَ فِي بَعْضِهِ فَقَالَ شَيْخُنَا فَكَذَلِكَ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَعُرُوضِهِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (وَخَلْطِ حِنْطَةٍ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُوصِي مُطْلَقًا أَوْ بِإِذْنِهِ بِأُخْرَى لَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ فَهُوَ غَصْبٌ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَيْسَ رُجُوعًا وَالْحِنْطَةُ مِثَالٌ لِكُلِّ حَبٍّ وَمَائِعٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ تَمَيَّزَتْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا، وَشَمِلَ مَا ذَكَرَ الْخَلْطَ بِأَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ
. قَوْلُهُ: (فَخَلَطَهَا) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَالتَّعْيِيبِ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْيِيبَ لَيْسَ رُجُوعًا، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَلَّ الْحِنْطَةَ مِنْ الرُّجُوعِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الصُّبْرَةِ إلَّا صَاعٌ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ كَالْبَيْعِ رَاجِعْهُ مِمَّا قَبْلَهُ
قَوْلُهُ: (وَطَحْنِ حِنْطَةٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِجَرِيشِهَا رُجُوعٌ وَالْحِنْطَةُ مِثَالٌ، فَغَيْرُهَا مِثْلُهَا كَالْفُولِ وَالْعَدَسِ. قَوْلُهُ: (وَعَجْنِ دَقِيقٍ) وَطَبْخِهِ وَخَبْزِهِ وَخَبْزِ عَجِينٍ وَطَبْخِ لَحْمٍ وَشَيِّهِ، وَكَذَا تَقْدِيدُهُ إنْ كَانَ لَا يَفْسُدُ بِبَقَائِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَتَفْتِيتِ خُبْزٍ وَنَزْعِ نَوَى رُطَبٍ رُجُوعٌ لَا تُتَمِّرُهُ وَبِنَاءُ الْخَشَبَةِ وَجَعْلُهَا بَابًا رُجُوعٌ، وَجَعْلُ الْقُطْنِ حَشْوًا رُجُوعٌ، لَا نَزْعُهُ مِنْ جَوْزِهِ، وَالضَّابِطُ لِأَفْرَادِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: يَحْصُلُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ مَا زَالَ بِهِ الْمِلْكُ، أَوْ زَالَ بِهِ الِاسْمُ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ أَشْعَرَ بِالْإِعْرَاضِ إشْعَارًا قَوِيًّا. قَوْلُهُ: (وَغَزْلِ قُطْنٍ) وَحَشْوِهِ رُجُوعٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَقَطْعِ ثَوْبٍ) رُجُوعٌ لَا خِيَاطَتِهِ مُفَصَّلًا. قَوْلُهُ: (وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ وَصَّى بِهَا رُجُوعٌ) فِيمَا غَرَسَ أَوْ بُنِيَ فِيهِ دُونَ الْخَالِي مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَتَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا مَا يُفِيدُ كَوْنَهُ رُجُوعًا فِي الْجَمِيعِ وَزَرْعُ مَا تَبَقَّى أُصُولُهُ كَالْغِرَاسِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا]
فَصْلٌ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ دَلِيلُهُ الْإِجْمَاعُ، وَلَوْ أَرَادَهَا عَلَى الرُّجُوعِ لَزِمَتْ لَكِنْ يُمْكِنُهُ فَكُّهَا بِإِرَادَةِ الْعَزْلِ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) أَيْ الْمُضَافَةِ لِلْمَوْتِ دُونَ الْمُنْجَزَةِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ. قَوْلُهُ: (لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ) نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِيمَا سَيَمْلِكُهُ قَالَ: فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى الِاعْتِرَاضِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعَرْضِهِ عَلَيْهِ) أَيْ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْعَرْضَ فِيهِ لَا يُؤَثِّرُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ رُجُوعًا فِي الصَّفِّ كَالْوَصِيَّةِ لِشَخْصٍ ثَانٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَخَلْطُ حِنْطَةٍ) أَيْ خَلْطُ الْمُوصِي وَمِثْلُهُ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ