قد تقدم في الباب الأول من ذكر الأدلة الدالة على وجود الجنة الآن ما فيه كفاية فنقول ما تعنون بقولكم إن الجنة لم تخلق بعد أتريدون أنها الآن عدم محض لم تدخل إلى الوجود بعد بل هي بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور فهذا قول باطل يرده المعلوم بالضرورة من الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تقدم بعضها وسيأتي بعضها وهذا قول لم يقله أحد من السلف ولا أهل السنة وهو باطل قطعا أم تريدون أنها لم تخلق بكمالها وجميع ما أعد الله فيها لأهلها وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر فهذا حق لا يمكن رده
وأدلتكم هذه إنما دلت على هذا القدر وحديث ابن مسعود الذي ذكرتموه وحديث أبي الزبير عن جابر صريحان في أن أرضها مخلوقة وأن الذكر ينشىء الله سبحانه لقائله منه غراسا في تلك الأرض وكذا بناء البيوت فيها بالأعمال المذكورة والعبد كلما وسع في أعمال البر وسع له في الجنة وكلما عمل خيرا غرس له به هناك غراس وبنى له بناء وأنشئ له من عمله أنواع مما يتمتع به فهذا القدر لا يدل على أن الجنة لم تخلق بعد ولا يسوغ إطلاق ذلك
وأما احتجاجكم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَه} فإنما أتيتم من عدم فهمكم معنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظيرا احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما فلا أنتم وفقتم لفهم معناها ولا إخوانكم وإنما وفق لفهم معناها السلف وأئمة الإسلام ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية