ونظير هذا إطلاقهم القديم على ما تقادم عهده وإن كان له أول كما قال تعالى: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} و {إِفْكٌ قَدِيمٌ} وقد أطلق تعالى الخلود في النار على عذاب بعض العصاة كقاتل النفس وأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم على قاتل نفسه.
الوجه الثاني: أن العلم بانقطاع الدنيا ومجئ الآخرة أنما يعلم الوحي ولم يتقدم لآدم عليه الصلاة والسلام نبوة يعلم بها ذلك وهو وأن نباه الله سبحانه وتعالى وأوحى إليه وأنزل عليه صحفا كما في حديث أبي ذر لكن هذا بعد إهباطه إلى الأرض بنص القرآن قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} وكذلك في سورة البقرة: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدى} .
وأما قولكم: إن الجنة وردت معرفة باللام غير مراد بها جنة الخلد قطعا كقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} وقولكم: إن السياق ها هنا دل على أنها جنة في الأرض.
قلنا: والأدلة التي ذكرناها دلت على أن جنة آدم عليه السلام في الأرض فلذلك صرنا إلى موجبها إذ لا يجوز تعطيل دلالة الدليل الصحيح.
وأما استدلالكم بأثر أبي موسى أن الله أخرج آدم عليه السلام من الجنة وزوده من ثمارها فليس فيه زيادة على ما دل عليه القرآن إلا تزوده منها وهذا لا يقتضي أن تكون جنة الخلد.
وقولكم: إن هذه تتغير وتلك لا تتغير فمن أين لكم أن الجنة التي أسكنها آدم كان التغير يعرض لثمارها كما يعرض لهذه الثمار وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم أي لم يتغير ولم ينتن وقد أبقىالله سبحانه وتعالى في هذا العالم طعام العزيز وشرابه مئة سنة لم يتغير.