بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة أضرابه فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله لا تدركه الأبصار من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فانه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بان عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا وتأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} فانه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا إن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القران والسنة كذلك ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي افسد الدين والدنيا وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015