وقال ابن الأنباري: "الصواب في سلسبيل أنه صفة للماء وليس باسم للعين واحتج على ذلك بحجتين إحداهما: أن سلسبيلا مصروف ولو كان اسما للعين لم يصرف للتأنيث والعلمية
الثانية: أن ابن عباس قال: معناه أنها تنسل في حلوقهم انسلالا
قلت ولا حجة له في واحدة منهما أما الصرف فلا اقتضاء رؤوس الآي له كنظائره وأما قول ابن عباس فإنما يدل على أن العين سميت بذلك باعتبار صفة السلاسة والسهولة فقد تضمنت هذه النصوص أن لهم فيها الخبز واللحم والفاكهة والحلوى وأنواع الأشربة من الماء واللبن والخمر وليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء وأما المسميات فبينها من التفاوت ما لا يعلمه البشر فإن قيل: فأين يشوي اللحم وليس في الجنة نار فقد أجاب عن هذا بعضهم بأنه يشوي بـ: "كن" وأجاب آخرون: بأنه يشوى خارج الجنة ثم يؤتي به إليهم والصواب: أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز الحكيم لإنضاجه وإصلاحه كما قدر هناك أسبابا لإنضاج الثمر والطعام على أنه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح لا تفسد شيئا
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مجامرهم الألوة" و"المجامر" جمع جمرة وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه والإلوة العود المطري فأخبر أنهم يتجمرون به أي يتبخرون بإحراقه لتسطع لهم رائحته
وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالا والظلال لا بد أن تفيء مما يقابلها فقال {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} وقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} وقال {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً} فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباب تتم بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابا تصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه وكذلك جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه رشحا وجشاء وكذلك ما هناك من الفواكه والثمار يخلق لها من الحرارة ما ينضجها