الْحَاكِم سَوَاء قربت الْمسَافَة أَو بَعدت
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَاكِم يسمع دَعْوَى الْحَاضِر وبينته على الْغَائِب
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحكم بهَا على الْغَائِب أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا على من هرب قبل الحكم وَبعد إِقَامَة الْبَيِّنَة
وَلَكِن يَأْتِي من عِنْد القَاضِي ثَلَاثَة إِلَى بَابه يَدعُونَهُ إِلَى الحكم
فَإِن جَاءَ وَإِلَّا فتح عَلَيْهِ بَابه
وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه يحكم عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحكم على غَائِب بِحَال إِلَّا أَن يتَعَلَّق الحكم بالحاضر مثل أَن يكون الْغَائِب وَكيلا أَو وَصِيّا أَو يكون جمَاعَة شُرَكَاء فِي شَيْء
فيدعي على أحدهم وَهُوَ حَاضر فَيحكم عَلَيْهِ وعَلى الْغَائِب
وَقَالَ مَالك يحكم على الْغَائِب للحاضر إِذا أَقَامَ الْحَاضِر الْبَيِّنَة وَسَأَلَهُ الْحَاكِم لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يحكم على الْغَائِب للحاضر إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة للْمُدَّعِي على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا جَوَاز ذَلِك على الْإِطْلَاق
كمذهب الشَّافِعِي
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا كَانَ الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة حَاضرا وَامْتنع من أَن يحضر مجْلِس الحكم
وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بالحكم على الْغَائِب فِيمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على غَائِب أَو صبي أَو مَجْنُون
فَهَل يحلف الْمُدَّعِي مَعَ بَينته أَو يحكم بِالْبَيِّنَةِ من غير استحلافه قَالَ مَالك وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي يحلف
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يحلف
وَالثَّانيَِة لَا يحلف
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا ثَبت الْحق على حَاضر بعدلين حكم بِهِ وَلَا يحلف الْمُدَّعِي مَعَ شاهديه
مُسلما وابنا نَصْرَانِيّا
فَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَاتَ على دينه وَأَنه يَرِثهُ
وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة وَعرف أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا أَو شهِدت إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنه مَاتَ وَآخر كَلَامه الْإِسْلَام
وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه مَاتَ وَآخر كَلَامه الْكفْر
فهما متعارضتان
ويسقطان فِي إِحْدَى قولي الشَّافِعِي وَيصير كَأَن لَا بَيِّنَة
فَيحلف النَّصْرَانِي وَيقْضى لَهُ وعَلى قَوْله الآخر يستعملان
فيقرع بَينهمَا
وَإِن لم يعرف أصل دينه فَقَوْلَانِ
فَإِن قُلْنَا يسقطان رَجَعَ إِلَى من فِي يَده المَال وَإِن قُلْنَا يستعملان وَقُلْنَا يقرع بَينهمَا أَقرع
وَإِن قُلْنَا يُوقف وقف إِلَى أَن ينْكَشف
وَإِن قُلْنَا يقسم قسم على الْمَنْصُوص
وَفِي الْمسَائِل كلهَا يغسل وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين
وَبِه قَالَ