قرية من دار الحرب على أن يغلقوا أبوابهم ولا يقاتلوا، على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، لكان أماناً صحيحاً، وللزم ذلك كل مسلم، ولحرمت دماؤهم وموالهم وديارهم، وللزمهم الإسلام أو الجلاء، إلا أن يكونوا كتابيين، فيباح لهم القرار، على الجزية والصغار، فكيف أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم! فمن قال: إن مكة صلح على هذا المعنى، فقد صدق؛ ومن قال: إنها صلح على أنهم دافعوا وامتنعوا حتى صالحوا، فقد أخطأ؛ وأما من قال: عنوة، فقد أخطأ على كل حال.
والصحيح اليقين: أنها مؤمنة على دمائهم وذراريهم وأموالهم ونسائهم، إلا من قاتل أو استثني فقط.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الجبل أو الوادي (?) ليرى جيوش الله تعالى. ففعل ذلك العباس، وعرض عليه القبائل، قبيلةً قبيلة، إلى أن جاء موكب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، رضوان الله عليهم، خاصةً، كلهم في الدروع والبيض. فقال أبو سفيان: من هؤلاء قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: والله ما لأحد بهؤلاء من قبل، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً. فقال العباس: إنه النبوة يا أبا سفيان. قال: فهذا إذن. فقال العباس: يا أبا سفيان، النجاء إلى قومك. فأسرع أبو سفيان، فلما أتى مكة عرفهم بما أحاط بهم، وأخبرهم بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من دخل داره، أو المسجد، أو دار أبي سفيان.