وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة مع أبى بكر الصديق، فدفعا راحلتيهما إلى عبد الله بن أريقط الديلى، رجل من بنى بكر بن عبد مناة، كافر، حليف العاص بن وائل السهمى والد عمرو بن العاص، ولكنهما وثقا بأمانته، وكان دليلا بالطرق، فاستأجراه ليدل بهما إلى المدينة، ويتنكب عن الطريق العظمى، وكانت أم أريقط سهمية.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة فى ظهر دار أبى بكر الصديق رضى الله عنه، التى فى بنى جمح، ليلا، فنهضا نحو الغار الذى فى الجبل، الذى اسمه ثور بأسفل مكة، فدخلا فيه. وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه، وأن يريجها عليهما ليلا ليأخذا منها حاجتهما. وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبى بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بالغنم، فيعفى أثرهما.

فلما فقدته قريش أتبعته بقائف معروف فقاف الأثر حتى وقف عند الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا، فإذا بالعنكبوت وقد نسج على قم الغار من وقته، فأيقنوا أنه لا أحد فيه، فرجعوا، وفتح الله تعالى فى الوقت فى جانب الغار بابا واسعا خرجا منه، فى صخرة صلد صماء لا تؤثر فيها المعاول، فأما لها الله عز وجل، وهى اليوم ظاهرة، لا يشك من رآها أنها لو ردت لسدت المكان، ولا يختلف أحد أن ذلك الباب لو كان هنالك حينئذ لرأته قريش جهارا. وجعلوا فى النبى صلى الله عليه وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم، فلما مضت لبقائهما فى الغار ثلاثة أيام، أتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما، وأتتهما أسماء بسفرتهما، وشقت نطاقها، وربطت به السفرة وعلقتها، فركبا الراحلتين، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة؛ فلذلك سميت أسماء ذات النطاقين. وحمل أبو بكر مع نفسه جميع ماله وهو نحو ستة آلاف درهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015