وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم حذيفة من اليمان عينا، فأتاه بخبر رحيلهم ورحلت قريش وغطفان.
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب، رجع عن الخندق إلى المدينة، ووضع المسلمون سلاحهم، فأتاه جبريل عن الله تعالى بالنهوض إلى بنى قريظة، وذلك بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم. ورأى قوم من المسلمين يومئذ جبريل عليه السلام فى صورة دحية الكليى على بغلة عليها قطيفة ديباج، ثم مر عليهم دحية بعد ذلك.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يصلى أحد العصر إلا فى بنى قريظة: ونهض المسلمون، فوافاهم وقت العصر فى الطريق، فقال بعض المسلمين: نصلى، ولم نؤمر بتأخيرها عن وقتها. وقال آخرون: لا نصليها إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصليها. فذكر أن بعضهم لم يصلوا العصر إلا ليلا؛ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعنف من الطائفتين أحدا.
أما التعنيف فإنما يقع على العاصى المتعمد المعصية وهو يعلم أنها معصية؛ وأما من تأول قصدا للخير، فهو- وإن لم يصادف الحق- غير معنف؛ وعلم الله تعالى أننا لو كنا هناك ما صلينا العصر فى ذلك اليوم إلا فى بنى قريظة ولو بعد أيام؛ ولا فرق بين نقله صلى الله عليه وسلم صلاة فى ذلك اليوم إلى موضع بنى قريظة، وبين نقله صلاة المغرب ليلة مز دلفة، وصلاة العصر من يوم عرفة إلى وقت الظهر، والطاعة فى ذلك واجبة.
رجع الخبر: فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية على بن أبى طالب رضى الله عنه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ونازل رسول الله صلى الله عليه وسلم حصونهم، فأسمعوا المسلمين سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له بألا يدنو منهم من أجل ما سمع. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم