فإن من المعلوم أن الكفر والإيمان يتعلقان بالظاهر والباطن، والناس بهذا الاعتبار أربعة أقسام:
القسم الأول: مؤمن ظاهرًا وباطنًا.
القسم الثاني: كافر ظاهرًا وباطنًا.
القسم الثالث: مؤمن ظاهرًا لا باطنًا، وهو المنافق، وهذه الأقسام هي التي ذكرها الله في أول سورة البقرة، وفي مواضع أخرى من القرآن.
وأما القسم الرابع؛ فهو مَن أظهر الكفر قولًا أو فعلًا مكرهًا وقلبه مطمئن بالإيمان، كالرجل من آل فرعون الذي يكتم إيمانه خوفًا من فرعون وملئه، ومثل الذي نزلت فيهم هذه الآية: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْد إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلِيهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].
فدل هذا الاستثناء على أن من أظهر الكفر بقول، أو فعل وهو غير مكره، بل هازلًا أو مداهنًا أو طامعًا= فهو ممن شرح بالكفر صدرًا؛ لأن ما أظهره من الكفر= هو فيه مختار، والاختيار إنما يكون مع شرح الصدر= فيكون ممن كفر ظاهرًا وباطنًا، ولهذا قال تعالى: