وعلى نفي سماع الذين يدعونهم القبورية قديما وحديثا- موقوف على تمهيد مهم، وهو أن علماء الحنفية قالوا في تفسير هاتين الآيتين: إن هاتين الآيتين ليستا في الأصنام والأحجار والأشجار، بل هما في حق العقلاء من الأنبياء والأولياء والملائكة الذين كان المشركون يستغيثون بهم عند الكربات* وينادونهم عند إلمام الملمات * ويهتفون بأسمائهم لدفع البليات* ويصرخون مستنجدين بهم لقضاء الحاجات*؛ لأن هذه الصيغ المذكورة في هاتين الآيتين: نحو " الذين " و " يملكون "، و "تدعوهم"، و " لا يسمعوا "، و " ولو سمعوا "، و " ما استجابوا "، و " يكفرون "- من صيغ العقلاء؛ بل قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} صريح في أن المراد العقلاء؛ لأن الأحجار والأشجار والأصنام لا يعقل أن يقال فيها: إنهم يوم القيامة يكفرون بشرككم؛ ولو كان المراد الأصنام والأحجار والأشجار- لكان حق الكلام أن يقال: (والتي تدعونها من دونه ما تملك من قطمير، إن تدعوها لا تسمع دعاءكم، ولو سمعت ما استجابت لكم ... ) ؛ وهذا كله برهان باهر، وسلطان قاهر، على أن المراد أن المشركين كانوا يدعون عباد الله الصالحين من الأنبياء والأولياء دون الأصنام المجردة والأحجار الصرفة والأشجار البحتة؛ ثم قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} مثل قوله تعالى:
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}