وضعهم هذا يسيئه؛ لكونه يراهم في طاعة الله يسيرون، وعلى شرع الله يسلكون، والله وحده يعبدون، وإياه يوحدون؛ فكان يتحين لهم الفرص لإغوائهم بطرق إبليسية سرية شيطانية مزخرفة؛ فلم يتمكن من ذلك؛ إلى أن توفي بعض الصالحين الذين لهم مكانة في قلوبهم؛ أمثال ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، فحزنوا لفراقهم حزنًا شديدًا.
فاحتال عليهم الشيطان، وسول لهم أمورًا استدرجهم بها إلى أن عكفوا على قبورهم فعبدوهم.
وبهذه الطريقة الشيطانية، ظهرت فرقة قبورية في بني آدم قبل رسول الله نوح عليه الصلاة والسلام؛ حيث انحرفوا عن عبادة الله تعالى وحده، وناقضوا توحيده سبحانه، حتى رسخت الوثنية في قلوبهم، وجعلوا يعبدون هؤلاء الصالحين بأنواع من العبادات تحت ستار التعظيم والولاية والمحبة والتوسل والشفاعة.
وقد آل بهم الأمر إلى أن صارت أمة التوحيد أمة وثنية، فأرسل الله تعالى إليهم رسوله نوحًا عليه الصلاة والسلام، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، وكان يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ونبذ عبادة القبور وأهلها، وترك الاستغاثة بالصالحين، والاستعانة بهم.
فحاربوه وعاندوه، ولم يقبلوا منه، وبقوا على قبوريتهم ووثنيتهم، إلا نزرًا قليلًا من الموحدين السنيين؛ إلى أن اجتاحهم الله تعالى بطوفان من عنده، ونجا أهل التوحيد.
ثم بعد فترة من الزمن احتال عليهم إبليس؛ فزين لهم بمكائده ومكره عبادة القبور وأهلها من الصالحين، إلى أن انتشرت القبورية بسبب عبادتها