شخص ذلك ممكن معرفته بقياسهم لا البرهاني ولا غيره، أن أقيستهم لا تفيد إلا أمورًا كلية، وهذه أمور خاصة، وقد أخبر (صلى الله عليه وسلم) بما يكون من الحوادث المعينة حتى أخبر عن التتر الذين جاءوا بعد ستماية سنة من أخباره، وكذلك عن النار التي خرجت قبل مجئ التتر سنة 688. فهل يصور أن قياسهم وبرهانهم يدل على آدمي معين أو أمة معينة، فضلًا عن موصوف بالصفات التي ذكرها؟ ثم من بلاياهم وكفرياتهم أنهم قالوا إن الباري تعالى لا يعلم الجزئيات ولا يعرف عين موسى وعيسى ولا غيرهما ولا شيئًا من تفاصيل الحوادث، والكلام والرد عليهم في ذلك مبسوط في موضعه والمقصود أن يعرف الإنسان أنهم يقولون من الجهل والكفر ما هو في غاية الضلال، فرارًا من لازم ليس لهم قط دليل على نفيه.
الوجه الحادي عشر: أنهم معترفون بالحسيات الظاهرة والباطنة كالجوع والألم واللذة. ونفوا وجود ما يمكن أن يختص برؤيته بعض الناس كالملائكة والجن وما تراه النفس عند الموت. والكتاب والسنة ناطقان باثبات ذلك. ولبسط هذه الأمور موضع آخر، وإنما المقصود أن ما تلقوه من القواعد الفاسدة المنطقية من نفي ما لم يعلم نفيه، أوجب لهم من الجهل والكفر حاجبًا وأنهم أسوأ حالًا من كفار اليهود والنصارى.
الوجه الثاني عشر: أن يقال كون القضية برهانية معناه عندهم أنها معلومة للمستدل بها. وكونها جدلية معناه كونها مسلمة وكونها خطابية معناه كونها مشهورة أو مقبولة أو مظنونة. وجميع هذه الفروق هي نسب وإضافات عارضة للقضية ليس فيها ما هو صفة ملازمة لها، فضلًا عن أن تكون ذاتية.