قليل الفائدة كبير التعب .............................................................
فإنه متى كانت المادة صحيحة أمكن تصويرها بالشكل الأول الفطري، فبقية الإشكال لا تحتاج إليها، وهي إنما تفيد بالرد إلى الشكل الأول، إما بإبطال النقيض الذي يتضمنه قياس (الخلف). وإما بالعكس المستوى أو عكس النقيض، فإن ثبوت أحد المتناقضين يستلزم نفي الآخر، إذا روعي التناقض من كل جهة، فهم يستدلون بصحة القضية على بطلان نقيضها وعلى ثبوت عكسها المستوي وعكس نقيضها، بل تصور الذهن لصورة الدليل يشبه حساب الإنسان لما معه من الرقيق والعقار.
والفطرة تتصور القياس الصحيح من غير تعلم. وإن الناس بفطرهم يتكلمون بالأنواع الثلاثة: التداخل، والتلازم، والتقسيم، كما يتكلمون بالحساب ونحوه والمنطقيون يسلمون ذلك.
والحاصل أنا لا ننكر أن (القياس) يتحصل به علم إذا كانت مواده يقينية، لكن نقول: إن العلم الحاصل به لا يحتاج فيه إلى (القياس المنطقي) بل يتحصل بدون ذلك. فلا يكون شيء من العلم متوقفًا على هذا (القياس) وتبين المواد اليقينية التي ذكروها بها علم بالأمور الموجودة، فلا يتحصل بها مقصود تزكو به النفوس.
بل ولا علم بالحقائق الموجودة في الخارج على ما هو عليه إلا من جنس ما يحصل (بقياس التمثيل) فلا يمكن قط أن يتحصل بالقياس الشمولي المنطقي الذي يسمونه (البرهان) علم إلا وذلك يحصل (بقياس التمثيل) الذي يستضعفونه. فإن ذلك القياس لابد فيه من قضية