وأما (السبر والتقسيم) فحاصله يرجع إلى دعوى حصر أوصاف الأصل في جملة معينة. وإبطال كل ما عدا المستبقي، وهو أيضًا غير يقيني لجواز أن يكون الحكم ثابتًا في الأصل لذات الأصل لا لخارج، وإلا لزم التسلسل، وإن ثبت الخارج فمن الجائز أن يكون لغيرها أبدًا، وإن لم يطلع عليه مع البحث عنه، وليس الأمر كذلك في العاديات. فإنا لا نشك مع سلامة البصر وارتفاع الموانع في عدم (بحر من زئبق) (وجبل من ذهب) بين أيدينا، ونحن لا نشاهده، وإن كان منحصرًا فمن الجائز أن يكون معللًا بالمجموع أو بالبعض الذي لا تحقق له في الفروع، وثبوت الحكم مع المشترك في صورة مع تخلف غيره من الأوصاف المقارنة له في الأصل. مما لا يوجب استقلاله بالتعليل، لجواز أن يكون في تلك معللًا بعلة أخرى، ولا امتناع فيه، وإن كان لا علة له سواه فجائز أن يكون علة لخصوصه لا لعمومه، وإن بين أن ذلك الوصف يلزمه لعموم ذات الحكم، فمع بعده يستغنى عن التمثيل.

قالوا: والفراسة البدنية هي عين (التمثيل)، غير أن الجامع فيها بين الأصل والفرع دليل العلة لا نفسها وهو المسمى في عرف الفقهاء (بقياس الدلالة)، فإنها استدلال بمعلول العلة على ثبوتها، ثم الاستدلال بثبوتها على معلولها الآخر، إذ مبناها على أن المزاج علة لخلق باطن وخلق ظاهر فيستدل بالخلق الظاهر على المزاج، ثم بالمزاج على الخلق الباطن. كالاستدلال (يعرض الأعلى) على (الشجاعة) بناء على كونهما معلولى مزاج واحد كما يوجد مثل ذلك في الأسد.

ثم إثبات العلة في الأصل لابد فيها من (الدوران) أو (التقسيم) كما تقدم وإن قدر أن علة الحكمين في الأصل واحدة فلا مانع من ثبوت أحدهما في الفرع بغير علة الأصل وعند ذلك فلا يلزم الحكم الآخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015