الوجود المطلق الكلي لا تحقق له في الأعيان، فضلًا عن أن يكون خالقًا لها مبدعًا. ثم يلزم من وجود المعين وجود المطلق، فإذا تحقق الموجود الواجب، تحقق الوجود المطلق، وإذا تحقق الفاعل لكل شيء. تحقق الفاعل المطلق، وإذا تحقق القديم الأزلي تحقق القديم المطلق، وإذا تحقق الغنى عن كل شيء تحقق الغنى المطلق، وإذا تحقق رب كل شيء تحقق الرب كما ذكرنا أنه إذا تحقق هذا الإنسان وهذا الحيوان تحقق الإنسان المطلق، والحيوان المطلق، لكن المطلق لا يكون مطلقًا إلا في الأذهان لا في الأعيان، فإذا علم إنسان وجود إنسان مطلق وحيوان مطلق لم يكن عالمًا بنفس العين. كذلك إذا علم واجبًا مطلقًا وفاعلًا مطلقًا وغنيًا مطلقًا، لم يكن عالمًا بنفس رب العالمين، وما يختص به من غيره. وذلك هو مدلول آياته تعالى. فآياته تستلزم عينه التي يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها. وكل ما سواه دليل على عينه وآية له فإنه ملزوم لعينه فإنه دليل على لازمه، ويمتنع تحقق شيء من الممكنات إلا مع تحقق عينه، فكلها لازمة لنفسه، دليل عليه آية له. ودلالتها بطريق قياسهم على الأمر المطلق الكلي الذي لا يتحقق إلا في الذهن فلم يعلموا ببرهانهم ما يختص بالرب تعالى.
وأما قياس الأولى، الذي كان يسلكه السلف إتباعًا للقرآن، فيدل على أنه ثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها. أكمل مما علموه ثابتًا لغيره، مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل، كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين المخلوق. بل إذا كان العقل يدرك من التفاصيل التي بين مخلوق ومخلوق ما لا ينحصر قدره، وهو يعلم أن فضل الله على كل مخلوق، أعظم من فضل مخلوق على مخلوق، كان هذا مما يبين له أن ما يثبت للرب أعظم من كل ما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره: فكان قياس الأولى يفيده