كان حقًا فالعلم بالأعيان المعينة وبأنواع الكليات يحصل أيضًا في النفس بالبديهة والضرورة كما هو الواقع، فإن جزم العقلاء بالشخصيات من الحسيات، أعظم من جزمهم بكلية الأنواع أعظم من جزمهم بكلية الأجناس، والعلم بالجزئيات أسبق إلى الفطرة. فجزم الفطرة بها أقوى. ثم كلما قوي العقل، اتسعت الكليات وحينئذ فلا يجوز أن يقال: إن العلم بالأشخاص، وقوف على العلم بالأنواع والأجناس، ولا أن العلم بأنواع موقوف على العلم بالأجناس، بل قد يعلم الإنسان أنه حساس متحرك بالإرادة قبل أن يعلم أم كل إنسان كذلك ويعلم أن الإنسان كذلك قبل أن يعلم أن كل حيوان كذلك فلم يبق علمه بأن غيره من الحيوان حساس متحرك بالإرادة، موقوفًا على البرهان وإذا علم حكم سائر الناس وسائر الحيوان، فالنفس تحكم بذلك بواسطة علمها أن ذلك الغائب مثل هذا الشاهد، أو أنه يساويه في السبب الموجب لكونه (حساسًا) متحركًا بالإرادة ونحو ذلك من قياس التمثيل والتعليل الذي يحتج به الفقهاء في إثبات الأحكام الشرعية.
وهؤلاء يزعمون أن ذلك القياس إنما يفيد الظن، وقياسهم هو الذي يفيد اليقين، وقد بينا في غير هذا الموضع أن قولهم هذا من أفسد الأقوال، وأن قياس التمثيل وقياس الشمول سواء وإنما يختلفان بالمادة المعينة فإن كانت