قولهم: إنه لا يعلم شئ من التصديقات إلا بالقياس الذي ذكروا صورته ومادته، قضية سلبية ليست معلومة بالبديهة، ولم يذكروا عليها دليلا أصلًا وصاروا مدعين، ما لم يثبتوه، قائلين بغير علم؛ إذ العلم بهذا السلب متعذر على أصلهم. فمن أين لهم أنه لا يمكن أحدًا من بني آدم أن يعلم شيئًا من التصديقات التي ليست بديهية عندهم إلا بواسطة القياس المنطقي الشمولي الذي وصفوا مادته وصورته؟
ثم هم معترفون بما لا بد منه من أن التصديقات منها بديهي ومنها نظري، وأنه يمتنع أن تكون كلها نظرية لافتقار النظري إلى البديهي. وحينئٍذ فيأتي ما تقدم في التصورات من أن الفرق بينهما إنما هو بالنسبة والإضافة، فقد يكون النظري عند شخص بديهيًا عند غيره والبديهي من التصديقات، ما يكفي تصور طرفيه موضوعه ومحموله. في حصول تصديقه، فلا يتوقف على وسط يكون بينهما، وهو الدليل الذي هو الحد الأوسط، سواء كان تصور الطرفين بديهيًا أم لا، ومعلوم أن الناس يتفاوتون في قوى الأذهان أعظم من تفاوتهم في قوى الأذهان. فمن الناس من يكون في سرعة التصور وجودته في غاية تباين بها غيره مباينة كثيرة. وحينئِذ يتصور الطرفين تصورا