لم يمكن تقدير الموصوف دون الصفة، وما ذكروه من أن ما جعلوه هو الذاتي يتقدم تصوره في الذهن، فباطل من وجهين:
أحدهما: أن هذا خبر عن وضعهم، إذ هم يقدمون هذا في أذهانهم، ويؤخرون هذا، وهذا تحكم محض، وكل من تقدم هذا دون ذا، فإنما قلدهم في ذلك. ومعلوم أن الحقائق الخارجية المستغنية عنا لا تكون تابعة لتصوراتنا، فليس إذا فرضنا هذا مقدمًا، وهذا مؤخرًا، يكون هذا في الخارج كذلك. وسائر بني آدم الذين [لم] يقلدونهم في هذا الموضع لا يستحضرون هذا التقديم والتأخير ولو كان هذا فطريًا كانت الفطرة تدركه بدون التقليد، كما تدرك سائر الأمور الفطرية. والذي في الفطرة أن هذه اللوازم كلها لوازم للموصوف وقد يخطر بالبال، ، وقد لا يخطر. أما أن يكون هذا خارجًا عن الذات، وهذا داخلا في الذات، فهذا تحكم محض، ليس له شاهد لا في الخارج ولا في الفطرة.
والثاني: أن يكون الوصف ذاتيا للموصوف: هو أمر تابع لحقيقته التي هو لها سواء تصورته أذهاننا، أو لم تتصوره فلا بد إذا كان أحد الوصفين ذاتيا دون الآخر أن يكون الفرق بينهما أمرا يعود إلى حقيقتهما الخارجة الثابتة بدون الذهن. وإما أ، يكون الفرق بين الحقائق الخارجة لا حقيقة له إلا مجرد التقدم والتأخر في الذهن، فهذا لا يكون حقا إلا إن تكون الحقيقة والماهية هي ما يقدر في الذهن لا ما يوجد في الخارج. وذلك أمر يتبع تقدير صاحب الذهن. وحينئٍذ فيعود حاصل هذا الكلام إلى أمور مقدرة في الأذهان لا حقيقة لها في الخارج وهي التخيلات والتوهمات