علمتَ مما تقدم أن أوراقَ البانكة حججُ ديون، فتأخذ في الزكاة أحكامَ زكاة الدَّيْن. (?) وزكاةُ الدين مُلحَقةٌ بزكاة النقدين؛ إذ الدَّينُ مالٌ متقرِّرٌ بذمة المدين يمكنه الوفاءُ به عند طلبه أو لأجل، فهو مال وغنى معتبر. وكان شأنُ الدَّين أن يُزكَّى كلَّ سنة؛ لأنه مالٌ ثابت بمنزلة عين مكنوزة. إلا أن الشارع رخَّص ألا يُزكَّى في بعض أحواله حتى يقبضه ربُّ الدين خشيةَ أن يعترضه ما يمنع قبضَه، كما نقَل ذلك ابنُ شاس في كتاب "الجواهر" وخليل في "التوضيح" عن أشهب رحمه الله. (?) ثم الدين باعتبار إجراء الزكاة فيه تختلف أحكامُه، فمنه ما يزكى كلما مر عليه الحول، ومنه ما يزكى عند قبضه من المدين، ومنه ما يُزكى بعد أن يقبضه ربُّ الدَّين ويمر الحول عليه من يوم قبضه.
[والدَّين باعتبار إجراء الزكاة فيه خمسةُ أقسام: دين من وديعة، ودين من تجارة، ودين من قرض، ودين من فائدة، ودين من غصب. (?) فأما دين الوديعة - وهو المال الذي تحت المودع - فحكمه أن يزكيه المودِع (بالكسر) لكل سنة تمر على أصل اكتساب نصابه، كما صرح بذلك ابن عبد البر في الكافي. (?) وأما دين التجارة فلا يخلو، إما أن يكون صاحبه التاجر مديرًا أو محتكرًا. فالمدير، وهو الذي يشتري ويبيع ما يشتريه بالسعر الحاضر إذا وجد ربحه، ولا ينتظر نفاقَ الأسواق ولا شدةَ