وثانيهما: أن يترتب عليه صلاح مخلوط بالفساد، أو فساد مخلوط بصلاح، للخصوص أو العموم. والأقسام كثيرة، أمثلتهما غير عسيرة كإحراق عمر بيت رويشد الثقفي الذي جعله مأوى للدعارة، فذلك صلاحٌ مخلوطٌ بإفساد مال ينتفع به الناس. وكشرب الخمر والمقامرة، فهما فسادٌ مخلوط بصلاح بشهادة قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219].

والشرائعُ جاءت لجلب الصلاح ودفع الفساد، فقد حكى اللهُ عن بعض رسله قوله: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، وقال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)} [البقرة: 205]. وإذا تمحضت المصلحة أو المفسدة، فحكم الشريعة جلبُ المصلحة ودرء المفسدة بدون تردد، وإذا اختلطت المصلحةُ والمفسدة فحكمُ الشريعة اعتبارُ الأرجح من الأمرين استنباطًا من قوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]. وربما اعتبرت الشريعةُ جانبَ المفسدة وإن كانت مرجوحة، إذا كان رجحان المصلحة على المفسدة غيرَ قوي، ولذلك قال أئمة الأصول: درءُ المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح. (?)

ثم المصلحة والمفسدة قد تكونان ذاتيتين للفعل، وقد تعرضان للفعل عروضًا. فإن كانتا ذاتيتين، كان للفعل حكمٌ مستمر مناسب لِمَا فيه من قوة المصلحة أو المفسدة، فيكون الفعل ركنًا من الدين أو واجبًا أو مندوبًا، ويكون بالعكس كبيرةً أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015