ثم دعواه أن المحدث في العبادة لا يكون إلا حرامًا كلامٌ لا يستقيم، إلا إذا حمله على إحداث أجناس العبادات. أما إحداثُ مواقيت أو أحوال أو التزام أسباب فلا يسبب له التحريم، وإن أقصى أقوال المشددين فيه مثل مالك - رضي الله عنه - هو الكراهة. وعلى تسليم هذا، فقد صار الخلافُ في مسمَّى اللفظ، ويلزمه أن يكون إطلاقُ اسم البدعة على غير ذلك إطلاقًا مجازيًا، ويتطرق الاحتمال إلى الإطلاقات فيسقط الاستدلال بكثير من تلك الشواهد التي جلبها من كلام السلف في لفظ البدعة بأنهم أرادوا بها المعنى المجازي. على أن صنيعه وإن انتفع به في حديث "كل بدعة ضلالة" لا ينفعه في حديث "كل محدثة بدعة" إلا إذا لجأ إلى تخصيص العموم بصنف من المحدثات. وقد علمت أنه تجنب طريقةَ التخصيص في نظيره، وبهذا الإلجاء تنحل عُرى كتابه.
فهذا إقليدُ (?) الدخول إلى مباحث البدعة، فشُدَّ به يدًا، ولا تكن كالذين أصبحوا فيه طرائقَ قِدَدًا.