وعلى هذا فكلُّ ما جرى فيه المسلمون على ما يدعو إليه الشرعُ من واجب أو مندوب أو على ما يأذن به الشرع من مباح، أو على ما لا يعاقب الشرع على فعله وهو المكروه، ففعلُهم فيه لا يُعَدُّ من الضلالة.
فإن قيل فقد قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، والمكروه ليس بحق، فيلزم أن يكون ضلالًا، قلت: إن كانت الآية مخصوصةً بالغرض المسوقة لأجله كانت خاصة بالاعتقادات كما هو سياق أوائل سورة يونس، فالمعنى ما بعد اعتقاد الوحدانية إلا الضلال وهو الشرك؛ لأن أول الآية هو قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)} [يونس: 31, 32].
قال الشيخ ابن عطية المالكي في تفسيره: "وحكمت هذه الآيةُ بأنه ليس بين الحق والضلالة منزلةٌ ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله. وكذلك هو الأمر في نظائرها، وهي مسائل الأصول التي الحقُّ فيها في طرف واحد؛ [لأن الكلام فيها إنما هو في تقرير وجود ذات كيف هي، وذلك بخلاف مسائل الفروع التي قال الله تعالى