وتاسعتُها: آياتٌ جاءت على عاداتِ العرب ففهمها المخاطَبون، وجاء مَنْ بعدهم فلم يفهموها فظنوها من المتشابه، مثل قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. في الموطأ قال ابن الزبير: "قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديثُ السن: أرأيتِ قولَ الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فما على الرجل شيءٌ أن لا يطوف بينهما، فقالت: كلَّا، لو كان كما تقول لكانت: فلا جناحَ عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يُهِلون لمناة. . . إلخ". (?) ومنه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187]، {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا} [المائدة: 93]، فإن المرادَ فيما شربوا من الخمر قبل تحريمها.
عاشرتها: أفهامٌ ضعيفة تظن كثيرًا في المتشابه وما هو منه، وذلك أفهامُ الباطنية وأفهام الظاهرية، كقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]. (?)
وليس من المتشابه ما صُرِّح فيه بأنَّا لا نصل إلى علمه كقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]، ولا ما ذكر منه حصولُه على إجماله دون توصيف يفضي إلى التشابه كقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55]، ولا ما صُرح بجهل زمنه كقوله: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187].