وإعجازُ القرآن منه إعجازٌ نظمي، ومنه إعجازٌ علمي، وهو ضربٌ عظيم من الإعجاز قدمنا بيانَه في مقدمة هذا التفسير. (?) فلما تعرض القرآن إلى بعض دلائل الأكوان وخصائصها فيما تعرض إليه، جاء به محكمًا بعبارة تَصْلُح لحكاية حالته على ما هو عليه في نفس الأمر. وربما كان إدراكُ كنه حالته في نفس الأمر مجهولًا لأقوام، فيعدون تلك الآي الدالة عليه من المتشابه، فإذا جاء قومٌ بعدهم فأدركوا المراد منها، علموا أن ما عدّه الذين قبلهم متشابهًا ما هو إلا محكم.

على أن من مقاصدَ القرآن أمرين آخرين: أولهما كونه شريعة دائمة، وذلك يقتضي فتحَ أبواب عباراته لمختلف استنباط المستنبطين حتى تؤخذ منه أحكام الأولين والآخرين. وثانيهما تعويدُ حَمَلَةِ هذه الشريعة وعلماء الأمة بالتنقيب والبحث واستخراج المقاصد من عويصات الأدلة، حتى تكون طبقاتُ علماء الأمة صالحةً قي كل زمان لمشاركة المشرِّع في مراده من التشريع. ولو صيغ لهم التشريعُ في أسلوب سهل التناول، لاعتادوا العكوفَ على ما بين أنظارهم في المطالعة الواحدة. من أجل هذا كانت صلوحيةُ عباراته لاختلاف منازع المجتهدين قائمةً مقامَ تجديد الكتب والتآليف في اختلاف أنظمة التعليم. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015