في حال رسوخ الإيمان منه وكونه خُلقًا وسجية، إذ الأخلاقُ تصير ملكاتٍ راسخة ذاتية، وما بالذات لا يتخلف.

وإذ قد علمنا علمَ اليقين بأن التشريع جاء على سواء لسائر أفراد الأمة، علمنا أن المقصد منه أن يصير أفرادُ الأمة مجبولين على مكارم الأخلاق. أنشأت دعوةُ الإسلام جماعةً صالحة حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي الجماعة الموصوفة بالسابقين الأولين، كانت أخلاقُهم أشبهَ شيء بأخلاق مرشدهم الأعظم. ثم أنشأت أهلَ مدينةٍ صالحِين بصلاح مَنْ هاجر إليهم، واغتباطهم بالالتحاق بفضائلهم، فاستوت أخلاقُهم. ثم صار مَنْ يزجّ في الجامعة الإسلامية ملتحِقًا في الخير بالذين لحق بهم، فتكونت يومئذ أمةٌ كاملة، مكارم الأخلاق سجاياها، والعمل الصالح دأبُها وهُجيراها. (?)

لقد أراد الله تعالى أن يكون الإسلامُ دعوةً عامة لسائر البشر في جميع الأقطار والأعصار، فلذلك أمر الله الجماعةَ الذين تلقوا هذا الدين أولَ مرة بأن يدعوا الناس إلى اتباعه، كما آذن به قوله تعالى خطابًا لهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. فالله يريد مِنْ كلِّ مسلمٍ أن ينجبلَ على مكارم الأخلاق الإسلامية، لتكون أحوالُه وأقوالُه وسائلَ إلى قبول دعوته لدى غير المسلمين، وقدوةً صالحة في أعين المدعوين. ألا ترى أن الله أمر المسلمين بحسن الخلق في المجادلة بمثل ما أمر به الرسول الأعظم، فقال في خطاب المسلمين: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وقال في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015