النازلون حول المدينة من مزينة وجهينة وأشجع وغفار معدودين كالنازلين بالمدينة، ولما فُتحت مكة نُسخ حكمُ الهجرة. (?)
تحتاج المدينةُ الفاضلة إلى سلامة سكانها من الآفات الجسدية؛ ليتم لهم التمتعُ بالصحة، فيكونوا أهلَ مقدرة على الأعمال العظيمة، ويطولَ الانتفاع بفضلهم. وقد متع الله المدينة بهذه النعمة بدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانت المدينةُ مشهورةً بالحمى المستوبئة قد اعتادها سكانُها، ولا يطيقها مَنْ وفد عليها. فلما قدم المهاجرون أصابت الحمَّى كثيرًا منهم، منهم أبو بكر الصديق وبلال وعائشة، فدعا النبي ربه أن تنقل حماها إلى الجحفة، واستجيب له، فما بقيت الحمى المستوبئة تصيب سكانَ المدينة. وقد دعا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يدخلها الطاعون، فلم يدخل المدينةَ قط، ولا يدخلها أبدًا إن شاء الله.
وإن جدوى المدينة الفاضلة على المجتمع الإسلامي أنها إذا قامت على الفضيلة والعدالة كانت قدوة المجتمع كله؛ إذ هي قلبه، وبصلاح القلب صلاحُ الجسد كله. فتكون هي المرجعَ عند اضطراب الناس، وهي الآخذةُ على يد كلِّ مَنْ يحاول فسادًا في المجتمع. ولقد يسر الله لمدينة الرسول هذه الخصلة الكاملة؛ فصارت قدوة الإسلام مدة قيام الخلافة فيها، ثم أخذ أمرها في اضطراب بعد الفتنة التي أثارها الثائرون على عثمان - رضي الله عنه -، فكانت تلك الفتنةُ أولَ بوارق اضطراب الحكومة الإسلامية؛ فبئست فئةً الفئةُ التي أثارت تلك المصيبة.
ومن أجل هذا قُصِدَتْ أن تبقى مدينة الرسول مدينة فاضلة، فَخُصَّت بمزايا أشرنا إلى بعضها آنفًا، ثم حيطت بأن جعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمًا، وبدعائه لها بقوله: "فمن أحدث فيها أو آوى مُحدِثًا، فعليه لعنةُ الله والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا