بين المسلمين، أو بينهم وبين الأمم المرتبطة بهم اختلالًا قويًّا أو قليلا. وذلك الاختلال قد يفضي إلى نقض أصولها، وامتشاق السيوف لتمزيق إهابها.
ومن القواعد المقررة في الحكمة: أن لا عبرة بوجودٍ يفضي إثباتُه إلى نفيه. ومن القواعد في أصول التشريع الإسلامي أن المناسبة التشريعية لا تُعتبر مناسبةً إلا إذا كانت غيرَ عائدةٍ على أصلها بالإبطال، وأنها تنخرم إذا لزمتها مفسدةٌ راجحة أو مساوية. وبقولٍ جامعٍ أقول: إن ما يتجاوز الحدودَ التي حدد الشرعُ بها امتدادَ الحرية في الإسلام لا يخلو عن أن يكون سببَ فوضى وخلع للوزعة بين الأمة، أو موجبَ وهَن ووقوعٍ في أشراك غفلة ومهاوي خطل سياسي. وتفصيلُ ذلك يحتاج إلى تحليل وتطويل لا يُعوز صاحبَ الرأي الأصيل.
نقفّي القولَ في الحرية ببيان المساواة: المساواة مصدر ساواه إذا كان سواءً له: أي مماثلًا، فالسَّواء المِثل. ولا يُتصور تمامُ المساواة بين شيئين أو أشياء في البشر؛ لأن أصل الخلقة جاء على تفاوت في الصفات المقصودة ذاتيةً ونفسية. وذلك التفاوت يؤثر تمَايُزًا متقاربًا، وذلك يقتضي تفاوت معاملة الناس بعضهم لبعض في الاعتبار والجزاء.
فلو دعت شريعةٌ إلى دحض هذه الفروق والمميزات لدعَت إلى ما لا يُستطاع: "وتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ"، (?) فضلًا عما في ذلك من حمل الناس على إهمال المواهب السامية، وذلك فسادٌ قبيح: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)} [البقرة: 205].
ويكون الاقترابُ إلى الفساد يفيد الاقترابَ إلى الإفراط في إلغاء المميزات الصالحة، ولا تستقيم شريعةٌ ولا قانونٌ لو جاء بهذا الإلغاء، فإن الذين تطرَّفوا في