هو الأَسْر والسَّبْي، فإذا أمِنوا منهما لم يعبؤُوا بالموت وما دونه. وقد عبر عن ذلك أبو فراس بنزعته العربية بقوله يخاطب سيفَ الدولة:
وَلَكِنَّنِي أَخْتَارُ مَوْتَ بَنِي أَبٍ ... عَلَى سَرَوَاتِ الْخَيْلِ غَيْرَ مُوَسَّدِ
وَتَأْبَى وَآبَى أَنْ أَمُوتَ مُوَسَّدًا ... بِأَيْدِي الأَعَادِي مَوْتَ أَكْبَد أَكْمَدِ (?)
وقال النابغة في شأن الأسْر والسَّبْي:
حِذَارًا عَلَى أَنْ لَا تُنَالَ مَقَادَتِي ... وَلَا نِسْوَتِي حَتَّى يَمُتْنَ حَرَائِرَا (?)
جرى الإسلامُ على عادته في التشريع، وهي أن يشرع الوسائلَ ويؤسس القواعدَ المفضية إلى مقاصده، ثم يحيطها بسدّ الذرائع التي قد تتسلل من منافذها مُفْسِداتُ المقاصد فتعود على أصولها بالإبطال، وتلك هي الملقبة في أصول الفقه بسد الذريعة.
وهذه الذرائع إنما تتعلق بالقول والعمل، فأوجب الإسلامُ على المسلم أن يريدَ بكل قول وعمل وجهَ الله والإخلاصَ فيه وتركَ الرياء، وسَمَّى الرياء بالشرك الأصغر، وذلك ليجتنب الناسُ حبَّ المحمدة الباطلة. فإن حب المحمدة قائدٌ إلى الاستعباد الاختياري ومانعٌ للحرية؛ لأن الافتتانَ بحب المحمدة يحتم على صاحبه الخوفَ من الانتقاد وغضبِ الجمهور من الذين لا يفقهون مصلحةً من غيرها، ولا يميزون بين الحق والباطل. فإذا حمدوا ومجدوا أحدًا، حسبوا فعلَهم مزيةً أنالوها