الحال الأول: الأمر ببثّ العلم بقدر الاستطاعة، فقد أُمرنا ببث القرآن وتعليمه وببث الآثار النبوية؛ ففي الحديث الصحيح: "نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها. فربَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هو أفقهُ منه، وربّ حامل فقه إلى من ليس بفقيه"، (?) وفي خطبة حجة الوداع: "ولْيُبَلِّغِ الشاهدُ الغائب". (?)
وقد أمر الخليفة الثالث بنسخ المصاحف، وأرسل بها إلى أقطار الإسلام. وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا في الأسبوع لتعليم النساء، (?) وأُسست المكاتبُ لتعليم الصبيان من عهد أبي بكر أو عمر، ثم قد وردت أحاديث في فضل تعليم العبيد والإماء.
ووراء هذا مرتبةٌ أُخرى في العلم والتعليم، وهي مرتبةُ الاستنباط في العلم. فقد دعا الإسلام إليها وأوجبها على مَنْ بلغ رتبةَ المقدرة عليها في الأحكام الشرعية، وهي مرتبةُ الاجتهاد بمراتبه. قال علماؤنا: إنها من مشمولات أمر الوجوب في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وغيره من آيات القرآن. وفي الحديث: "من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد"، (?) وأية حرية للعلم أوسعُ من هذه إذ جُعل الأجرُ على خطأ؟ !